طلال سلمان

.كان يمكن أن يكونوا أكثر!

استنقذ المجلس الدستوري نفسه بالقرار، وقدم تبريراً لوجوده واستمراره كمؤسسة مرجعية للنظر والبت في دستورية القوانين وكضمانة مبدئية لعدم تجاوز السلطة الأصول الديموقراطية في التشريع خاصة وفي ممارسة الحكم عموماً.
ولقد استُقبل قرار المجلس الدستوري، وبغض النظر عن أشخاص من تناولهم من المطعون في نيابتهم، استقبالا طيباً كحدث فريد وسابقة ستترتب عليها نتائج طيبة بالنسبة للتجربة الديموقراطية في لبنان ما بعد الحرب الأهلية.
طبعاً كان الناس يتمنون لو أن القرار كان أكثر شجاعة وأكمل في أخذه بالموجبات القانونية التي تشكل الضمانة الأم للعدل والمساواة بين المرشحين فلا يكون بينهم »ممتاز« أو »صاحب امتياز«، ولا يكون ثمة شتاء وصيف على سطح واحد أو أبناء ست وأبناء جارية في المجلس النيابي الواحد.
وفي باب التمني أيضاً فان الناس كانوا يرغبون لو أبدى الرئيس المستقيل للمجلس الدستوري حرصاً يعادل حرصهم هم على هذه المؤسسة الوليدة وتجربتها الرائدة على المستوى العربي وكل العالم غير الغربي.
لقد أخذوا عليه أنه أحب نفسه وقدمها على المؤسسة، بل وصل البعض الى حد اتهامه بأنه ضحى بالمجلس ليكون هو البطل، فلا حظي بالبطولة ولا حفظ للمجلس الزخم والهيبة والحصانة التي رافقت ولادته ومباشرته مهامه.
كذلك أخذ الناس على بعض الأعضاء انهم لم يقدروا حساسية الموضوع الذي يتعرضون لعلاجه، فقالوا أكثر مما يجوز، وأشاعوا ما كان يجب ان يظل محصوراً، مما أضعف المجلس كمؤسسة وأدخل اليها بعض الهواء الطائفي الفاسد مما ألقى ظلالا من الشك على القرار الكبير الذي كان يجب ان يصدر معافى وليس مغلفاً بريبة تدخل السلطة أو محاباتها.
لا يستطيع المجلس الدستوري بأي حال ان يرفع عن المجلس النيابي، جملة المآخذ التي سجلت على العملية الانتخابية التي انتجته، وأخطرها »المحدلة«، و»القائمة المفردة« التي تفرض نفسها على الناس بإرهاب التزكية، ولكنه كان يستطيع برفض بعض الكبائر ان يحسّن الصورة نسبيا، وان يرسي اسسا اكثر متانة لعمليات انتخابية مقبلة.
ولو ترك الأمر لمزاج الجمهور لكان أسعده ان تقبل الطعون ذات الوجاهة والحيثيات القانونية الظاهرة جميعا،
صحيح ان إلغاء نيابة اربعة من اعضاء هذا المجلس النيابي قد احدث صدمة ايجابية، لكن الناس يعرفون ان اكثر من هؤلاء بكثير ما كانوا يستحقون التمتع بشرف تمثيلهم، وانهم أسقطوا عليهم بالمظلات، وهم لا يعرفونهم ولم يسبق ان عاشوا معهم محنهم ولا يعنيهم امرهم في كثير او قليل، بدءا بالركود الاقتصادي مرورا بالضائقة المعيشية الممتدة من الطبابة والاستشفاء الى التعليم وأقساطه الفاحشة الى السكن الذي يكاد يصير بين الاماني الغاليات، وانتهاء بالانماء المتوازن الميمون الذي نسمع عنه أكثر مما نراه على الأرض.
ولعل الناس يتمنون الآن لو كانت صلاحيات المجلس الدستوري تمتد لتشمل، مثلا، الوزراء، فيكون له حق ابطال وزارة من تلوث الألسنة سمعته وهي تروي صفقاته، او حق إبطال رئاسات الصناديق والمجالس التي طبقت سيرتها العطرة الآفاق!
ان الناس يقبلون اي طعن وكل طعن، في أي مسؤول.
ولعل هذه الخطوة التي اقدم عليها المجلس الدستوري تعيد شيئا من الاعتبار الى المؤسسات،
والأهم ان يكون لها ما بعدها فلا تكون »سنونو« واحدة تعجز عن اصطناع ربيع، مهما حسنت نواياها وبلغت درجة اجتهادها!

Exit mobile version