طلال سلمان

كاتب هذا الزمان:أحمد بهاء الدين

قبل سنوات، صمَتَ قلم أحمد بهاء الدين، فخسرت الكلمة العربية بعض إشراقها وتكاثفت عليها العتمة حتى اختنقت داخلها أو تكاد.
أمس، توقف قلب كاتبنا الكبير فغدت القاهرة أكثر إثارة للحزن، وبدت الصحافة العربية أعظم عجزاً عن التعبير عن جمهور قرائها، وأبعد عن تطلعات أمتها إلى غد أفضل.
فأحمد بهاء الدين كان واحداً من تلك القلة من الكتّاب الصحافيين ممّن عملوا وكتبوا وحاضروا ودعوا ونذروا جهد العمر للتنوير، للارتقاء بالمجتمع المدني، لمحاربة الفساد الاقتصادي والإداري والقيمي عموماً وقبل الفساد السياسي.
وأحمد بهاء الدين كان خليطاً من الداعية للثورة الثقافية والمصلح الاجتماعي والمرشِّد السياسي.
لم يكن أحمد بهاء الدين مهنياً، بالمعنى الحرفي،
ولكنه نجح في أن يشكل إضافة نوعية إلى الصحافة العربية،
لقد كان أول من تنبّه إلى الشباب فاتجه إليهم بالمخاطبة، وبذل جهداً لاجتذابهم إلى دائرة القراءة والاهتمام بالشأن العام والمتابعة والمشاركة من موقع المسؤول،
وكانت »صباح الخير« المجلة التي أصدرها عن دار روزف اليوسف، بتشجيع من الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس، فتحاً جديداً في عالم الصحافة العربية.
كذلك فلسوف يذكر أحمد بهاء الدين بأنه »الأرقى« بين من تعاطوا الكتابة السياسية، حواراً وعرضاً وتحليلاً ومناقشة للسلطة أو لمن استخصموه من داخلها أو من خارجها فخاصموه ومنعوه من الكتابة وحاصروه حتى أخرجوه من الصحافة ومن مصر كلها.
وجاءت تجربته المميزة في مجلة »العربي« في الكويت لتؤكد مكانته الثقافية وقدراته المهنية وسعة اطلاعه وصفاء عروبته.
من »صباح الخير«، إلى دار الهلال بمطبوعاتها ومجلاتها المختلفة، ثم إلى »أخبار اليوم«، فإلى »الأهرام«، إضافة إلى فترة »النفي« في »العربي« بالكويت، قدم أحمد بهاء الدين نموذجاً متقدماً لصحافة عربية أكثر صلة بإنسانها وبالعصر.
لم ينغمس مرة في معارك الأنظمة وصراعات الزعماء،
ولم يسمح لأي طرف سياسي أن يجره إلى المهاترة و»الردح«.
واكب ثورة جمال عبد الناصر من دون نفاق، واحتفظ لنفسه بمسافة عن يومياتها ومباذل رجالاتها والمنتفعين بها، واهتم بأفكارها وبإنجازاتها الفعلية وبالتحولات الباهرة التي حققتها في المجتمع المصري خاصة والعربي عموماً، أكثر من اهتمامه بالمدائح والمقابلات والرغبة في التقرّب إلى مركز القرار فيها.
وبصفاء المتصوّف وعقل المجتهد والدقة العلمية للدارس والباحث، حلّ ببساطة تلك المعضلة المفتعلة بين »الوطنية المصرية« و»القومية العربية«، فكان مصرياً حتى الصميم، شكلاً وموضوعاً، وكان عربياً حتى صميم القلب والفكر.
هذه تحية أولى لأستاذنا الكبير الذي أتعبت قلبه الهزائم، والتهمت نور عينيه النكسات والخيبات، وأخرس قلمه المضيء غروب الثورة من قبل أن تكتمل وتحقق أهدافها وأقدسها بناء مجتمع مدني عربي ومواطن وسلماً جديداً للقيم، من ضمن حالة نهوض شاملة اقتصادياً وثقافياً وسياسياً.
رحل أحمد بهاء الدين عنا غارقاً في الصمت الأبدي،
لكن كلماته ستبقى معنا تضيء لنا طريقنا إلى الغد.

Exit mobile version