طلال سلمان

كابوس حرب كاستثمار اميركي

… وكما تم استيلاد كابوس الحرب على العراق، فجأة وبغير مقدمات مقنعة، فقد تم »سحب« هذا الكابوس وانكشح شبح الحرب الذي ظللت به الإدارة الأميركية هذا المشرق العربي لشهور طويلة، بتبرير لا يستقيم مع الدواعي التي »فرضت« استيلاده.
فجأة، وبمثل السحر، أوقف طوفان الكلام الحربي الذي فرض الرعب على عشرات الملايين من الناس البسطاء والطيبين والمظلومين في حقوقهم السياسية كما في أسباب حياتهم اليومية، والذين صوروا وكأنهم أعداء الإنسانية وأبطال الإرهاب الدولي، بينما هم صناع البدايات للحضارة الإنسانية، وهم أصحاب دور مجيد في تجديدها، قبل قرون طويلة من اكتشاف الأوروبيين القارة الأميركية.
فجأة، وكأنما بعصا سحرية توقفت آلة الدعاية الحربية الأميركية (والإسرائيلية) عن الترويج لتدمير العراق بحرب كاسحة ماسحة لإنقاذ العالم من شروره ممثلة بأسلحة الدمار الشامل التي »ربما« كان يملكها، و»ربما« سوف يستخدمها…
فجأة، وكما تنتهي حكايات الجن والعفاريت الزرق بخواتم خرافية مثل بداياتها، توقفت الآلة الجهنمية للإعلام الأميركي الإسرائيلي عن إطلاق ريح الحرب بامتداد العالم، فارضة الخرائط العسكرية وصور الاستعدادات بالأساطيل الجوية والبحرية والصواريخ العابرة للقارات على الصفحات الأولى للصحف والمجلات والنشرات جميعا، وعلى شاشات التلفزة أرضية وفضائية، وعلى مواقع الانترنيت عربية وأعجمية وبمختلف اللغات الحية..
فجأة، وبغير إنذار، تم »تجميد« الكابوس، وتم استبدال الموضوع الوحيد (لشهور طويلة) للأخبار والتعليقات والتقديرات والتخمينات وندوات الاستراتيجيين وخبراء الحروب كيماوية وجرثومية ونووية وبيولوجية.
فجأة، وبغير إنذار، سمحت الإدارة الأميركية للكرة الأرضية أن تعود لمتابعة دورانها حول الشمس، بعدما أوقفها »الطاغية« الأميركي معززا بالسفاح الإسرائيلي، حتى يحققا النصر في »حملتهما الصليبية« الجديدة، كاملا وناجزا ومطلقا.
بعد ساعات من إعلان بغداد، ما كان متوقعا إعلانه، أي قبولها بالقرار الجديد لمجلس الأمن الذي يفرض عليها وصاية دولية تلغي استقلال العراق كدولة وسيادته وحقوق شعبه في ثروته الوطنية، بل في حياة تليق بقدراته وكفاءاته، خلع جورج و. بوش ثيابه المرقطة، وتخلى عن عصا المارشالية، وترك جنرالات العداء للعرب في إدارته من تشيني إلى رامسفيلد، ومن وولفويتز الى رايس، الشاشات لمخلوقات طبيعية، وعادت الموسيقى والأغاني وبرامج الطبخ وسهرات رمضان والمسلسلات المشوقة إلى الفضائيات العربية… وكفى الله المؤمنين شر القتال!
ذهب جورج بوش إلى النوم، ملء جفنيه، بعدما اطمأن الى سلامة الإنسانية والى اندثار الإرهاب تحت أقدام الديموقراطية المظفرة.
أما أرييل شارون فما زال أمامه مهمة بسيطة هي أن يبيد حوالى أربعة ملايين فلسطيني لكي يستتب له الأمر ويجلس على عرش مملكة إسرائيل بغير منافس مشاغب مثل نتنياهو.
ولقد فوّضه صديقه العظيم جورج بوش أن ينجز هذه المهمة في ثلاث سنوات، بعدما رسم له »خريطة الطرق« التي ستمكنه من إنجاز هذه المهمة الجليلة في أقصر مدى زمني، لا سيما إذا ما قورن بما تطلّبه مثل هذا الأمر مع الأميركيين في »تحضيرهم« للهنود الحمر…
* * *
على امتداد شهور طويلة فرض هذا الرئيس الذي بدأ عهده مطعوناً في شرعيته فضلاً عن كفاءته، على العالم كله أن يعيش في ظل كابوس الحرب، وعلى العرب بشكل خاص أن يعيشوا حالة من الرعب غير مسبوقة، فقط لأنهم عرب ولأنهم سمر البشرة، ولأن إسرائيل تريد أن تنتزع منهم أرضهم، ولأن الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تحتكر لنفسها ثرواتهم، وأن تقرر لهم حكامهم بديموقراطية المدمرات والصواريخ الذكية والطائرات من غير طيار والقادرة على التمييز بين »عدي« و»قصي« فلا تأخذ أحدهما بجريرة الآخر!
لكم جنت الإدارة الأميركية من استثمارها لكابوس الحرب هذا؟!
إنه يدر أرباحاً أسطورية تفوق كل ما خسرته شركاتها والتروستات الهائلة الثروات، في ظل إدارة بوش وخططه العبقرية..
صارت الحرب الاستثمار الأعظم للقطب الكوني الأوحد..
… وصارت مصائر الشعوب مطروحة في البورصة الأميركية الإسرائيلية!
على هذا فقد تمّ »تجميد« الكابوس ريثما يتم جني الأرباح، وربما دعت الحاجة إلى مزيد من الأرباح، الى إعادته ليظلل بلادنا بالرعب من جديد، طالما بقين غائبين أو مغيّبين.

Exit mobile version