طلال سلمان

قمة يتيمة تبحث عن ماوى

تدور »مؤسسة القمة العربية« هائمة على وجهها كطفل فقد أهله في زلزال وافتقد من يؤويه ويطعمه ويؤمنه من خوفه على مصيره.
بل إن المعنيين باستضافتها، أو بالحرص على وجودها ذاته، يتصرفون معها وكأنها مصدر للخطر على من يتجرأ فيشارك فيها، وينظرون إليها نظرتهم إلى »عبوة ناسفة« تتهددهم في حياتهم وليس فقط في مواقعهم المعظمة والمفخمة والسامية والمتوّجة بألقاب الجلالة.
في القمم السابقة كانت المشكلة في أن يلبي »القادة« الدعوة فيحضرون شخصياً، أو ينيبون في حال العذر الشرعي من له سلطة القرار، بتفويض شرعي غير قابل للطعن… وكأن الأمر ينتهي بحضور »أكثرية« تضفي قدراً من الجدية على القمة التي لم تكن أبداً مصدراً للقرارات التاريخية المرجوة أو الملبية للاحتياج.
هذه المرة يبدو أن »مبدأ« انعقاد القمة العربية في هذا الظرف الحرج أمر غير مستحب… وبالتالي فإن البحث عن من يستضيفها هو الجزء الظاهر من جبل الثلج ليس إلا: كيف يمكنك أن تعقد قمة لا يريدها »أهلها«؟!
قبل الحديث عن المغيّبين بالقهر أو بقسر الاحتلال كفلسطين (بشخص رئيسها) والعراق (الذي قد يخطر ببال الحاكم الأميركي بريمر أن يمثله)، فإن المواقف المعلنة والارتباطات المؤكدة والالتزامات المعروفة لمعظم »القادة« العرب تجعلهم يسعون إلى تجنب »كأس السم« هذه، التي ستجعل فضائحهم المعروفة الآن، باليقين أو بالتخمين، مدوية بعلنيتها بما يعريهم أمام شعوبهم (والعالم..) ويمد »خصومهم« في الداخل (وأمرهم هيّن) وفي الخارج (وهم لا يرحمون) بالبينة على عجزهم ونقص الأهلية وافتقارهم إلى شجاعة القرار… أي قرار!
وقبل القمة فلننظر في المؤسسة الحاضنة: جامعة الدول العربية.
من المؤكد أن عمرو موسى الذي حاول بصعوبة أن يبتلع هذه »الترقية« من وزير خارجية مصر إلى الأمين العام للجامعة، قد تجاوز التفكير بالاستقالة من هذا المنصب الفخم في ظاهره والمفرغ من أي مضمون عملياً، فبدأ يخوض ما يشبه العملية الانتحارية لاستنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى لا يتحمّل تاريخياً جريرة أنه السبب في تهديم آخر الروابط (السياسية) بين العرب، وأنه استخصم من لا يجوز استخصامه، وتجاوز من لا يجوز تجاوزه، وبالتالي فقد وفر الذريعة الشخصية للهارب من أي التزام سياسي (أو مالي) أو معنوي تجاه »القضية« وأهلها والمؤسسات المعبّرة عن هذا الالتزام.
إنها »قمة« لا يريدها »السيد« الأميركي، ولا يريدها »المتجبّر« الإسرائيلي، فمن يستطيع إغضاب »الآلهة« ويتحمّل العقوبات الصارمة مقابل »مخاطرة« التلاقي بأقرانه من السلاطين الذين باتت أكثريتهم مهددة بالسقوط، وموضع التآمر عليها من »الداخل« بتحريض مباشر ومعلن من أركان الإدارة الأميركية؟!
أين مساحة القمة العربية في المشروع الأميركي للشرق الأوسط الموسع أو الواسع أو الوسيع بما يلغي ذكر »العرب« فضلاً عن أي دور محتمل لهم في الحاضر أو في المستقبل؟!
إن »العروبة« فعل ماض. والجامعة العربية، والقمة العربية بالاستطراد، هي من مخلفات عهد مضى ولن يعود.
إن العديد من الدول التي كانت »عربية« مشغولة الآن بمحو هذه »الوصمة« عن علمها، وبالتبرؤ من هذه التهمة الشنيعة سياسياً: إن العروبة مكلفة… حتى ليهون أمامها الاحتلال الأميركي!
ليس بالمصادفة أن الجامعة العربية مفلسة، بل ومثقلة بالديون، لأن الدول لا سيما الغنية منها لا تدفع أنصبتها في موازنتها التافهة أصلاً.
وليس بالمصادفة أن بعض الدول العربية قد استخصمت الأمين العام للجامعة بأكثر مما تحتمل »خطاياه« لكي تكون الخصومة العذر للامتناع عن الالتزام بأي تعهد تجاه الجامعة، سواء في السياسة أو في الميزانية الطبيعية التي تسمح بإدامتها.
وليس بالمصادفة أن يعلن عدد من كبار المسؤولين العرب سلفاً وقبل شهرين تقريباً من موعد القمة أنهم لن يشاركوا: البعض بعذر طبي، والبعض »نكاية« بالأمين العام، وبعض ثالث حتى لا يُلزم نفسه بما يمكن أن يؤاخذه عليه »الحاكم الفعلي« لهذه الأرض التي كانت عربية: السيد الأميركي، الذي قد »يقبله« بأي صفة إلا… عروبته!
ولماذا القمة؟!
هذا العراق في الحفظ والصون تحت الرعاية الأميركية المباشرة.
وهذه فلسطين ما زالت »تتنفس«، يشيّع بعضها بعضاً كل يوم، لكن شعبها لا ينقص ولا ينتهي.
وهذه قيادة ليبيا قد عرفت الطريق إلى الأمان.
أما الجزائر فمشغولة بمعركة الرئاسة التي ستؤكد مرة أخرى أن السلطة للجيش وحده بلا شريك.
وهذه تونس تستعد هي الأخرى »للانتخابات الرئاسية« التي، وإن كانت نتائجها محسومة سلفاً، فليس من الحكمة أن تستضيف قمة قد تسبّب إرباكات لمن بيده الحل والربط على امتداد الكون.
فأما الخليج ففي شغل شاغل عمّا يجري بعيداً عن حدود العراق.
من تبقى: مصر وسوريا ولبنان؟
إن اللقاءات متواصلة في ما بينها، والعلاقات ممتازة، فلماذا نخسر الممكن طلباً للمستحيل!
كيف يطلب القمة من هو في قعر الهوان والاستسلام لإرادة عدوه؟!

Exit mobile version