طلال سلمان

قمة موودة

قبل أن تبدأ قمة عمّان أعمالها، تبرّعت الإدارة الأميركية الجديدة بأن تفرض عليها جدول أعمالها، معيدة إلى الصدارة الجرح الذي كان هدأ نزفه: حصار العراق تأديباً لصدام حسين على غزو الكويت.
وهكذا فرضت واشنطن »طمس« القضية الفلسطينية، وتمويه دلالات الصعود الباهر للسفاح أرييل شارون إلى سدة السلطة في إسرائيل. وكان على المؤتمرين أن يدخلوا إلى »القمة« وقد أحنوا هاماتهم، وعدّلوا في خطبهم لتنسجم مع المناخ الجديد الذي يفرض اتخاذ »العربي عدواً للعربي«، وشق الصف العربي بما يُضعف زخم الالتفاف من حول فلسطين، في مواجهة التطور الحربي الإسرائيلي المغلَّف بالديموقراطية العنصرية.
خلال القمة، أقدمت الإدارة الأميركية الجديدة على عمل عدائي آخر تمثل بمنع مجلس الأمن من تشكيل قوة حماية دولية للفلسطينيين داخل ما »سمحت« لهم به من أرضهم… وهي قوة رقابة غير مسلحة، لا قوة عسكرية، تمنع القتل الجماعي أو تحمي البيوت من الهدم، والأشجار من القطع، والرعب من أن يحتل أحلام الأطفال قبل الرصاص في صدورهم.
وخلال القمة، كان الضغط متواصلاً لحجب الدعم العربي المادي والجدي والفعال عن الانتفاضة خصوصاً، وعن فلسطين القضية عموماً.
ومع أن بعض العرب قد تمردوا على الضغط، وكان الأبرز والأكثر شجاعة بين »العصاة« الرئيس السوري بشار الأسد الذي أعلن فتح صفحة جديدة مع القيادة الفلسطينية حتى لا تضيع القضية، ثم كان اللقاء الاستثنائي بين الرئيس إميل لحود وياسر عرفات… إلا أن القرار الأميركي لم يتبدل، وظل يحاول محاصرة الانتفاضة: بشارون من الداخل، وبالعرب من الخارج، لعلها تنحسر ثم تتهاوى تحت ضغط الجوع وافتقاد النصير.
ها هو الرد الإسرائيلي على القمة يجيء تتمة منطقية وتعبيراً مباشراً عن الحصار الأميركي، فتغير الحوامات على رام الله وغزة، وتقصف المدافع مراكز لقوى الأمن بل ولحرس القيادة الفلسطينية.
وبديهي أن الادارة الاميركية ومثلها الحكومة الاسرائيلية، لم تتوقفا لحظة أمام احتمال أن يصدر رد عربي جدي وفعال يحمي شرف القمة، ويؤكد الاستعداد للمواجهة مهما تكن أعباؤها ثقيلة.
وبديهي أيضا في ظل الانقسام العربي المستمر، والعجز العربي المستمر عن تجاوز »الحالة العراقية الكويتية« بما يحقق الطمأنينة للكويت ويوفر الفرصة لرفع الحصار عن العراق، أن يبقى المسرح خاليا أمام شارون، وأن تظل يده حرة فيتقدم من تشديد الحصار وتقطيع أوصال مناطق السلطة الفلسطينية الى دك معاقلها واغتيال الكهرباء وتوسيع دائرة الموت لتشمل الأمكنة والناس جميعا.
لقد اغتيلت القمة مع إعلان ختامها.
إنها القمة الموؤدة!
مع ذلك، فلا بد من استمرار النضال من خارج القمة… وبمن حضر، لمواجهة القدرين؛ الأميركي والاسرائيلي.
إنها قمة لم تعش حتى ساعات اللقاء بين أطرافها المختلفين، وها هو دويّ القصف الاسرائيلي لمدن فلسطين يعلن هذا الفشل، بينما مكبرات الصوت في مجلس الأمن تعمم الفضيحة عالميا.

Exit mobile version