طلال سلمان

قمة مخيفة اكثر من حرب

انتبه لبنان الرسمي، أخيراً، أو تكرّم أحد بتنبيهه إلى أنه »رئيس القمة« فترك لوزير خارجيته أن يبادر فيدعو إلى »اجتماع طارئ« لوزراء الخارجية العرب لكي يُظهروا ولو في الصورة شيئاً من الاهتمام بأمر الحرب الأميركية المفتوحة على منطقتنا العربية تحت عنوان العراق ونظامه »منتج« أسلحة الدمار الشامل!
ولقد أفاد الوزير من الفرصة، خصوصاً أن أهل الحكم في »إجازة« أو أنهم »مستقيلون« من حروب الداخل وبفعلها.. ثم وجد سنداً في الأمين العام لجامعة الدول العربية، المكابر والعنيد والمصر على إحياء مؤسسة لم يعد يريدها أحد، والمتبرّع بممارسة مهمة الموفِّق بين مختلفين يريدون أو يفيدون من استمرار الخلاف للتنصل من واجباتهم الطبيعية وأعبائها الثقيلة… فمن ذا يهتم بعد لأمر العرب، شعوباً أو دولاً، مجتمعين أو متفرقين؟
»إن الأنظمة العربية بمجملها، تتصدع، وهي مهددة الآن بالانهيار، تحت ضغط الهجوم الأميركي الكاسح الماسح الذي يتصرف كثور هائج فعلاً، فلا يميّز بين »حليف تاريخي«، وبين »صديق دائم«، وبين »طرف غير ودود« ولكنه متعاون، لا سيما في مواجهة الخصوم المشتركين«.
لقد فقد »النظام العربي الصديق« شهادات حسن السلوك التي كانت تسبغها عليه »الإدارة الأميركية الصديقة«، عبر تاريخ طويل من »التحالف« أو »التعاون« أو التواطؤ الفعلي على من تصنفهم هذه الإدارة خصوماً..
ثم ان انعدام الثقة بين مثل هذا النظام وبين شعبه يمنعه من العودة إليه والاستعانة بجماهيره الغاضبة والمستفزة بالتواطؤ الأميركي الإسرائيلي على فلسطين، ثم بهذه »الحملة الصليبية« التي تقودها الإدارة الأميركية المتصهينة بالتحالف مع السفاح أرييل شارون ضد العرب (والمسلمين جميعاً) تحت عنوان العراق، وإن تمّ التركيز على شخص حاكمه الفرد وممارساته غير المسبوقة.
إن الأنظمة العربية، بمجملها، في حيص بيص، نتيجة هشاشتها وانعدام شعبيتها، وعجزها عن مواجهة المهمة الثقيلة الطارئة والتي فرضت نفسها عليها بأثقالها الهائلة:
لا هي تستطيع أن تجتمع فتقرر (لا سمح الله) المواجهة التي لا تملك أن تقررها، وبرغم ذلك فلا بد من حفظ ماء الوجه ولو باجتماع شكلي.
ولا هي تستطيع أن تلعب دور الوسيط.
ولا هي تجرؤ على أن تكون طرفاً بموقف صريح: لا مع الثور الأميركي المندفع الى الحرب ضد الجميع، ولا مع صدام حسين الذي لم يبادر الى فتح الباب، وما زال يتصرف كأنه بغنى عن الآخرين كل الآخرين، لا سيما »العرب« الذين سبق له ان خبرهم وخبروه، في حالتي السلم والحرب، فلم يعد عند اي طرف وهم حول موقف الآخر. لا هم يطمئنون اليه فعلاً، ولا هو يثق بهم فعلاً…
وأكثر ما يخيف الأنظمة العربية اللقاء على مستوى »القمة«… ان القمة أكثر خطراً من الحرب!
تخاف من »قمة« لن يكتمل عقدها، مهما كانت المبررات، (وقمة بيروت شاهد)..
ثم ان الخلافات والمخاوف وشكوك البعض بالآخر، فضلاً عن الضغوط الاميركية القاسية، ستتحكم بالنتائج، فيصير الهم الأوحد للمجتمعين إنقاذ الشكل، أي الصورة، ودائماً على حساب المضمون.. وهذا سيزيد من نقمة شعوبها عليها!
فضلاً عن ان »الموضوع« لن يكون في يد المجتمعين، وربما تحولوا الى شهود زور، تستخدم »صورتهم« كشاهد إثبات على »تواطئهم« او »الفرار من الميدان«، وعقوبة الجريمتين أقسى من ان يحتملوها.
حتى تحربة انشطار القمة، كما حدث في القاهرة، بعد اجتياح صدام حسين الكويت (آب 1990) ليست قابلة للتكرار. اليوم لا مجال حتى للانقسام.. لا مكان لمحايد، ولا عذر لغائب، ولا ذريعة لمريض.
ومع ان المشاركة العسكرية ليست مطلوبة، بل ليست معروضة على أحد »منهم« وإن كانت مفروضة على العديد »منهم«، فالتغطية السياسية لمشروع الحرب الاميركية أصعب من ان يتحملها هؤلاء المتعبون بأثقالهم السياسية والاقتصادية والامنية الخ..
لا علاقاتهم بشعوبهم (وهي مضطربة أصلاً، ان كانت موجودة فعلاً) تطمئنهم الى حاضرهم، ولا علاقاتهم بالإدارة الاميركية المحاربة بمالهم وبأرضهم وبحارهم وأجوائهم، وفوق ارضهم وضد أهلهم، تشجعهم على السير خلفها مغمضي العيون، مطمئنين الى مستقبلهم فيها.
لا مبررات الحرب مقنعة ويمكن تسويقها، فهذه جماهير اوروبا (وبرلمان وحدتها وبعض حكوماتها) وجماهير أميركا ذاتها، ترفضها وتدينها.
ولا هم قادرون على منع »ما كتب«، في واشنطن (ومعها دائماً تل ابيب)..
أما »الحياد« فخيانة بوجهين..
انها انظمة متعبة بما لديها من مشكلات، سواء عند قمة السلطة، او على السفح »الشعبي«، وعلى الصعيد الاقتصادي قبل الصعيد السياسي..
من أين جاءتها هذه المصيبة الجديدة التي قد تكون »مصدر« الضربة القاضية لوجودها، في اوضاعها المهترئة؟!
إن جورج بوش وأركانه لا يسمعونهم، وإن سمعوا لم يفهموا فيقدروا حراجة اوضاعهم وتعذر »التواطؤ« معهم.
أما النظام العراقي ففي »الحجر الصحي«، لا أحد يتصل به، لا يزور أحداً ولا يزوره أحد، ورأسه مهتم بحماية رأسه أكثر من اهتمامه بالعلاقات العامة. العلاقات العامة للموفدين والمنح النفطية وضمان ولاء العشائر، بعد الجيش والحزب والحرس القومي الخ..
وما زال عمرو موسى يدفع »ضريبة« زيارته او »وساطته« لديه، مع ان هدفها المعلن كان محددا ومحدوداً: محاولة إقناع رأس النظام العراقي بعدم تحدي »القرار الدولي« والاحتماء بالشرعية الدولية (ولو ظالمة) ولو كانت اختامها في عهدة الخارجية الأميركية، مع احتمال ان تتحول الى المخابرات المركزية.. أوليست المخابرات هي التي ستكشف، غداً، المخبوء من اسرار أسلحة الدمار الشامل التي لم يستطع المفتشون الدوليون (المدربون جيداً) الوصول اليها، وهي التي ستنص بالتالي الحيثيات الجديدة لقرار الحرب… ومن ثم لمستقبل »العراق الديموقراطي«؟!
***
مَنْ بعد كل هذا، وفي ظل كل هذا، يهتم بفلسطين وأهلها المقتولين كل يوم، وبيوتها المنسوفة على مدار الساعة، والجامعات المقفلة، والمدارس التي لا يجد الفتية طريقهم اليها، فإن وجدوا الطريق ونجوا من قتل شبه محتم فوقها لم يجدوا المدرسة ولا المعلم او المعلمة.
ثم إن كولن باول قد »تعهد« في خطابه أمام مؤتمر الأغنياء في دافوس ليس فقط »بإقامة« الدولة الفلسطينية العتيدة، بل بألا تكون مفتتة أو مقطعة الاوصال، وبأن تكون »ذات سيادة«.. والأهم: بأن تكون ديموقراطية!
كذلك فإن جورج بوش أشار، في عرضه »لحال الاتحاد« الى تعهده (السابق) بديموقراطية فلسطينية في خدمة إسرائيل الآمنة..
ماذا يريد العرب أكثر من ذلك؟!
ان الإسرائيليين أصحاب تجربة عريضة في اقامة الديموقراطية بالاحتلال في بلد »متخلف« مثل فلسطين.
وها هم الأميركيون يجيئون لتنفيذ تجربة الديموقراطية بالاحتلال في بلد آخر متخلف مثل العراق.
من دون ان ننسى ان التعهد الأميركي بالديموقراطية للعرب، عاربة ومستعربة، قد دفع بمن حكموا طويلا بالحق الإلهي، الى التعهد بإشراك »الناس« في هم الحكم، إذا هم تمتعوا بنَفَس طويل وبعد نظر وشيء من الصبر يجعلهم يتشربون الديموقراطية حرفا بحرف..
أليس جدول الأعمال هذا كافيا لقمة عربية ناجحة؟!

Exit mobile version