طلال سلمان

قمة تفقد مبرراتها

سقطت القمة العربية »العادية« تحت أثقال المهمات »فوق العادية« المطروحة عليها، فانتهت عملياً قبل أن تنعقد.
يسهل هنا التذكير بأن القمم الطارئة أو الاستثنائية لم تستطع إنجاز أية مهمة استثنائية، اللهم إلا تجاوز مأزق النتائج المحتملة لتلك الأحداث الطارئة التي فرضت عقدها وألزمت الكل بالحضور »تفادياً للأعظم«!
يسهل أيضاً التذكير بأن شروط الموافقة على عقد القمة، قبل أن نتحدث عن شروط الحضور أو الغياب، قد استهلكت مبررات عقدها أو احتمالات نجاحها.
»بمن تنعقد؟!« أهم بما لا يقاس من: لماذا تنعقد أو أين تنعقد!
فحضور البعض يشترط غياب بعض آخر، واستحضار قضايا أساسية يشترط تغييب قضايا أساسية أخرى، أما اشتراط حضور الجميع فيشترط تغييب جميع القضايا المختلف عليها… وبالتالي تصبح المعادلة محددة: الحضور للصورة، أما الجدية أو الخطورة فلا تتأكد إلا بالغياب!
إنها أول قمة دورية، في سلسلة تتواصل كما الدول المتحضرة ذات المصالح المشتركة عاماً بعد عام، فلا تنقطع لأي سبب، ومهما اشتدت الخلافات، بل هي تكتسب معناها وضرورتها من أنها المكان الطبيعي لحسم الخلافات ودياً بما يحمي المصالح بغير أن يفسد »الجو العائلي«.
هكذا تمّ تقديم التوافق على انعقادها، بزمانها ومكانها وحيثياتها،
وهذا أمر طيب.
لكن التوافق المبدئي الذي تمّ في أواخر تشرين الأول الماضي، وتحت ضغط انتفاضة الأقصى، ذهب مع ريح التغييرات التي عصفت بإدارة القوتين الأثقل حضورا والأشد تأثيرا، بالسلب طبعاً، في القمم العربية، وهما الإدارة الأميركية والإدارة الإسرائيلية.
ولأن العرب بمجموعهم يتلقون التأثيرات ولا يؤثرون، فقد وجدوا أنفسهم وكأنهم في الطريق إلى القمة الجديدة يتحدثون لغة قديمة.
ذلك أن الإدارة الأميركية (الجديدة) فرضت عليهم، مجدداً، الحصار على العراق كبند أول يتقدم على كل ما عداه، وتحديداً على كل ما يتصل بفلسطين، بدءاً بالانتفاضة وصولاً إلى القدس مروراً بحقوق اللاجئين الخ..
كذلك فإن الإدارة الإسرائيلية (الجديدة) أسقطت كل مشاريع الاتفاقات التي كانت مطروحة، معيدة الوضع داخل فلسطين إلى ما تحت الصفر: لا حديث في السياسة والاتفاقات. أمر اليوم: وقف الانتفاضة مقابل الغذاء للفلسطينيين، وإلا فالمذبحة مستمرة في ظل ظروف غير إنسانية ولا يمكن أن يتحملها شعب الداخل (ومعه السلطة) لفترة طويلة.
إذا تمت تلبية الأمرين الأميركي والإسرائيلي فشطب بند رفع الحصار عن العراق، وبند دعم الانتفاضة وتعزيز المفاوض الفلسطيني بحيث يمكنه الوصول إلى اتفاق مقبول على الحد الأدنى من مطالبه، فلماذا فضيحة القمة؟!
لماذا سيتكبّد القادة العرب مشاقّ السفر، ولماذا يتلاقون ما داموا عاجزين عن مواجهة الضغوط بموقف موحد، وبالتالي عاجزين عن اتخاذ القرار الذي تريده جماهيرهم ولو بحده الأدنى؟ وكيف سيبرّرون عجزهم على مستوى القمة، وتخليهم عن الانتفاضة وعن العراق (وعن سائر القضايا التي تهم شعوبهم)؟!
إنها قمة بائسة: تكاد تكون بلا موضوع، ليس بسبب من ندرة الموضوعات التي تستوجب قرارات على مستوى قمة، ولكن لأنها معطلة عن اتخاذ قرار، أي قرار.
وهي قمة أقل من عادية، حتى بحضورها، وقد جاءت الإشارة الأولى من السعودية.
وهي قمة تعلن الحقيقة موجعة: ما استمر العجز عن مواجهة إسرائيل، وعن تعديل الموقف الأميركي بقوة التأثير العربي فلا مجال لقرار عربي لا على مستوى القمة ولا حتى على مستوى السفح.
المهم استنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبالتحديد الانتفاضة، والحد الأدنى من التضامن مع الصمود اللبناني السوري، وقليل من القروش لشهداء فلسطين.

Exit mobile version