طلال سلمان

قمة تحديد خسائر

لا مجال للاوهام في قمة القاهرة العتيدة.
ان العرب يجيئون اليها وقد اكتووا بنيران تجارب مريرة لا تترك هامشù لسوء التقدير والخطأ في الاستنتاج.
فبين القاهرة اوائل آب سنة 1990 والقاهرة اواخر حزيران سنة 1996 بحور من الخيبات والفواجع والهزائم والدماء والاخطاء السياسية، ومعظمها غير مبرر.
ومع ان القمة الجديدة لن تكون »محكمة التاريخ«، ولن يتسع مجالها للمحاسبة والادانات والاحكام المبرمة، الا انها تنعقد بالاضطرار، وليس بالرغبة، وللدفاع عن الذات وليس للهجوم على »العدو«، وليست محكومة بالانقسام بين معسكرين احدهما رافض بالمطلق وثانيهما مستسلم بالمطلق، والا لتعذر انعقادها.
انها »فرصة قدرية« وفّرها »الانقلاب الاسرائيلي« امام العرب لوقفة مع الذات، تتم فيها مراجعة الحسابات، ومحاولة حصر الاضرار، بغير تخوف من »شماتة« الخصم العربي (وانتقامه)، أو من ضياع اللحظة التاريخية المؤاتية لإنجاز حلم السلام المرتجى.
الخسارة وقعت فعلاً، وقد لحقت بالجميع: بالصامدين المصرّين على التفاوض من اجل »سلام عادل وشامل«، وبالمهرولين الذين وقّعوا ثم تخطوا المفاوضة الى وهم الشراكة، مفترضين ان اسرائيل »عشيرة« تؤخذ ب»الجاهة« وتأسرها لهفة المستغيث فتتقبله وتطمئنه ولا ترده خائبù ابدù!
والخسارة فادحة جدù، والتمني قاصر على استنقاذ الحد الأدنى، وهذا ممكن وضروري ومفيد للجميع.
ان بعضù من القادمين الى القاهرة غدù يجيئون »مطرودين« من تل ابيب، مخذولين وخائبي الرجاء في من فوضوا اليهم الأمر في حاضرهم ومستقبلهم.
فهل أقل من الاعتراف بأنهم لم يجدوا ما كانوا يطلبونه، وبأنهم قد اخطأوا حين توهموا ان »السابق الى تل ابيب يأخذ أكثر وان المتأخر سيدفع غرامة تتجاوز طاقته«؟!
ان الذين ذهبوا متعجلين الى اسرائيل بوهم ان »بطلها« رابين سيمنحهم السلام المرتجى، قد اضطروا للذهاب اليها مرة اخرى للتعزية بإسحق رابين والمشي في جنازة اوهامهم والبكاء على قبر ذلك السلام الموءود!
والذين ذهبوا الى اسرائيل، وكادوا يتوحدون فيها، بوهم ان »الخليفة الحكيم« شمعون بيريز سيمنحهم ما كان »وعدهم« به رابين من سلام، مضافù اليه احلام الازدهار والشراكة الاقتصادية في نعيم الشرق الأوسط الجديد، لم يستطيعوا الذهاب للمشاركة في دفن تلك الاوهام، خصوصù انها قضت على »بطلها« الخائب دائمù، والمخيب لآمال اصدقائه »المهرولين«!
لقد استعادت اسرائيل صورتها الاصلية بغير التباس أو غموض يتيح سوء التفسير،
استعادتها بقرار واعٍ، معلن ومعمم دوليù، شاركت في اتخاذه الاكثرية المطلقة، ولم يعد امام العرب عذر في الادعاء أنهم قرأوا خطأ أو ان القيادة الاسرائيلية قد خدعتهم فاستدرجتهم الى ما لا يريدون وما لا يطيقون.
ان الطاقم الذي يتسلم القيادة الآن في اسرائيل أصرح من أن يخبئ مشاعره وبرنامجه مداراة لأصدقائه العرب، وهو يدعي انهم سيقبلونه مرغمين، وان اعتراضاتهم ستظل شكلية، لأنهم يدركون انه قادر على تحطيمهم في كل وقت.
وفي تقدير هذا الطاقم، وبلسان احد اركانه رافائيل ايتان ان »العرب صراصير مخدرة في زجاجة«!
وليس المطلوب من قمة القاهرة ان تأخذ العرب الى ميدان الحرب ضد اسرائيل، أو اعادة الاعتبار الى شعارات كانت مقدسة ذات يوم مثل »التحرير« و»تدمير الكيان الصهيوني« و»اقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني« الخ.
ان مهمة هذه القمة بسيطة جدù: التخلي عن بعض الاوهام القاتلة، مثل ان الانفراد هو الطريق الاقصر الى حقوق اكثر، وان اسقاط حقيقة المصير المشترك هو بوليصة تأمين لمستقبل المهرول الى التوقيع المجاني، وان 99 في المئة من أوراق الحل في اليد الأميركية وان اليد الأميركية المثقلة بالخيرات العربية ستأتي بالسلام الى العرب وهم قاعدون!
ان مهمة هذه القمة ان تذكر العرب بوجودهم، بحقائقهم الاصلية التي لم تتغافل عنها كل »الاسرائيلات« وكل الاسرائيليين من بن غوريون الى نتنياهو.
لقد استعادت اسرائيل صورتها بانقلاب زلزل الدنيا العربية وصولاً الى واشنطن،
فهل كثير ان ينظم العرب خسارتهم لتحديدها على مجموعهم بدل ان يدفع كل منهم الحساب مرتين: مرة منفردù، ومرة من حساب المجموع؟!

Exit mobile version