طلال سلمان

قمة تحت حصار

لم تترك الإدارة الأميركية الجديدة مجالاً واسعاً للأوهام العربية حول احتمال استعادة أجواء »الصداقة« التي توطدت مع »الأب«، قبل عشر سنوات، وارتقت عند مواجهة غزو الكويت إلى مستوى »التحالف« ولو إلى حين، وبالاضطرار، ومع غياب التكافؤ المفترض بين »الحلفاء«.
ما كان بعد »عاصفة الصحراء« قد كان، وشتان ما بين ملتحق عربي لا يملك قراره، لا في السياسة ولا في الاقتصاد، وبين الحليف الإسرائيلي الذي تأكد مرة أخرى لمن كان بحاجة إلى توكيد انه الشريك الوحيد والدائم في هذه المنطقة في المصالح التي تصنع السياسة، ومن ثم في القدرة على التأثير على القرار من داخل مركز القرار الأميركي.
سقط سهواً »مؤتمر مدريد«، و»العملية السلمية« التي كان قد تم استيلادها على عجل، كجائزة ترضية لعلها كانت ضرورية للتخفيف من الآثار البعيدة المدى لعاصفة الصحراء الأميركية على الأوضاع العربية المتهالكة، والتي مزقت آخر ما كان تبقى من أسباب التضامن ووحدة الموقف، لا سيما في ما يتصل بالصراع العربي الإسرائيلي.
وبديهي أن يعود الحصار على العراق إلى الصدارة في اهتمامات الإدارة الأميركية الجديدة، فذلك يحقق جملة أهداف أبرزها إعادة المشكلة إلى داخل العرب، بما يبعثرهم مجددا من حول شبح صدام حسين، ودفع المسألة الفلسطينية إلى الخلف، وخصوصا أن المسألة العراقية تسحب من رصيدها مباشرة، والمقايضة تضر بالعرب مجتمعين و»تبرر« المزيد من دعم التفوق الإسرائيلي: الغذاء للعراقيين مقابل الأرض والأمن للإسرائيليين!
هكذا يصبح وقف الانتفاضة الفلسطينية مطلبا أميركيا على العرب أن يعملوا لتنفيذه، لإراحة إسرائيل وإتاحة المجال لإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات حيث لن يكون من أثر للمسائل السياسية ولا يبقى من موضوعات للتفاوض غير مطالبة »السلطة« بضرائبها المتأخرة والمتراكمة في الصناديق الإسرائيلية لدفع رواتب موظفيها، ورفع الحصار عن المدن والقرى التي يضربها الجوع: هنا أيضا الغذاء للفلسطينيين مقابل الأرض (المستوطنات) والأمن لإسرائيل.
وهكذا تفرض بعض التعديلات الأساسية على جدول أعمال القمة العربية القريبة في عمان، بينها أن تغلب »العوامل الإنسانية« على العوامل السياسية سواء بالنسبة للعراق أم بالنسبة لفلسطين،
أليست هذه عينة من »العقوبات الذكية« التي ابتدعها جنرال الدبلوماسية الأميركية كولن باول؟!
ثم، هل »زلة اللسان« التي ارتكبها قائد »عاصفة الصحراء«، حين طوّب القدس عاصمة لإسرائيل، هي إشارة أو تلميح إلى تعديل جوهري في السياسة الأميركية من شأنه أن يدفع بالعرب إلى التضحية بالانتفاضة ومعها استعادة ما كان »معروضا« من الأرض، وحق العودة للاجئين، مقابل تعليق الاعتراف الأميركي بالمطلب الإسرائيلي الثابت والدائم حول القدس؟!
بعد »زلة اللسان« جاء حديث كولن باول عن تنامي العداء العربي للأميركيين ليحرج القمة، فتندفع إلى نفيه بالتسليم بمزيد من الشروط الإسرائيلية الأميركية المشتركة وأولها وقف »دورة العنف« وهي التسمية المخففة والمموهة للانتفاضة.
كل هذا قبل أن يصل أرييل شارون إلى واشنطن في زيارة »التطويب« التي من المؤكد أن تنتهي بمزيد من »الهدايا«، على المستوى السياسي ثم الاقتصادي والعسكري من بعد،
إن حصاراً أميركياً إسرائيلياً كاملاً يفرض على القمة العربية من قبل أن تنعقد، وهو حصار سيكون تأثيره حاسما على جدول أعمالها، ومن ثم على قراراتها التي كان يفترض أن تحقق الحد الأدنى من توفير الحماية للانتفاضة الفلسطينية، وأن »تحرج« التحالف الأميركي الإسرائيلي، خصوصا بعد تسلم شارون سدة السلطة في تل أبيب، بتاريخه الدموي المشين، عند الغرب قبل العرب،
لقد حصرت »زلات اللسان« المقصودة وغير المقصودة العرب في خانة الدفاع عن أنفسهم بعدما كانوا يفترضون أنهم في الطريق إلى موقع الهجوم، بفضل الانتفاضة وتأثيرها المباشر على مسار المفاوضات بحيث انتزعت اعترافا ولو مبدئيا ببعض الحقوق الفلسطينية، ثم بفضل التوهم أن السجلّ الأسود لشارون قد يضطر واشنطن إلى تقديم بعض »الفدية« أو التطمينات،
والقمة تستطيع تبديل المعادلة القاسية المفروضة الآن كالقدر: الغذاء للعراقيين مقابل الأمن للفلسطينيين، أو الغذاء للفلسطينيين مقابل الأمن المطلق والسيادة المطلقة (على العرب مجتمعين) لإسرائيل.

Exit mobile version