كانت القمة بحاجة إلى “فاعل خير”. إلى من يعتلي المنصة ويتجرأ على بدء الحفل الجنائزي. طبعاً، المناسبة لا تستحق الرثاء. لا شيء نفقده فيها: لا روح، لا حياة، لا شيء فقط. لا. دفن الجامعة ليس خسارة، وبقاؤها فادح… لا تستحق خبراً عادياً في صحيفة رثة، وان تجرأ أحد على الصدق يختصرها يقول: كانت كأنها لم تكن.
“القمة” الاخيرة في بيروت، كانت عقوبة للبنان. بدأ الكلام اللبناني العادي، “فائق الأهمية”، “عروبيا” خجولاً، أمام “أعراب” الخراب. بدأ الفراغ يملأ القاعة، فيما الكلمات هواء بحروف معروفة النهايات. تتحسر على ما فات قليلاً. يومها، كان للهزائم وقع المفاجأة. هزائم اليوم المتمادية، نشيد سياسي تتناوب عليه ايقاعات الشماتة: كل عربي تبرع بهزيمة عربي آخر. توحد العرب في القتل والابادة والوأد. لم يتبقَّ كيان عاقل. احتفال جنوني في الاخلاص للقتل، بكل اشكاله.
“القمة” الاخيرة، هي آخر مطاف الاختلال العربي. هم في الأصل، كانوا دولاً بقياس عشائر وقبائل وأقوام، كان يلزم أن تكون بائدة. لا. منحت زمام القيادة. الجزيرة العربية حرم اميركي-غربي. سورية الطبيعية، مسرح لصراع الاخوة الاعداء، ثم ملعب لإسلام الدماء، وفرجة لدول تتحالف على تكويم الجثث ورعاية الإبادة. ومصر، اين مصر؟ أين ام الدنيا؟ مصر اليوم، بلا أم ولا أب. يتيمة دهر. من عرفها سابقا لا يتعرف عليها اليوم. بلاد مقفلة من كل الجهات، باستثناء المعابر العلنية إلى تل ابيب.
تاريخها، على فخامة مظهره، “فياسكو”. قادة متربصون بقادة. دول ذات وزن تاريخي في مواجهة ممالك وإمارات ذات دعم دولي، لولاه، لتواضعت وتآخت مع شقيقاتها الجمهورية. كانت الجامعة حاوية لدول قومية ملتزمة ودول قومية تتنازع في ما بينها، فيما الممالك تنصب الشباك المالية، ليقع المحتاج في فخ المتخم.
حضرت الجامعة العربية خسائر العرب جميعاً. حضرت النكبة، ثم النكسة، ثم الحروب الداخلية، ثم كل الحروب، ثم ام الحروب الراهنة. وعوض أن تكون حكماً، كانت واجهة لجبهات القتال. قتلى هذه الجامعة العربية، بعدد الملايين. وغريب، أن هذه الجامعة، لا تزال تجرجر اذيال الحروب والخيبات حتى ما بعد الآن.
ثم، أي جامعة هذه؟ نصفها مع “صفقة العصر”. اسرائيل، لدى بعضها، أقرب من “الاشقاء” العرب. ما همها فلسطين. القدس لا تعنيها. المقاومة، تلعن الجامعة سلاحها وتسميه ارهابا، هذه الجامعة، تستحق الطرد. فهي ليست عربية، الا لأن بريطانيا العظمى سمَّتها كذلك.
مخجل المشهد في بيروت. رؤساء يعتكفون. حسنا فعلوا. عاقبوا لبنان المقاوم. صدقوا اذ غابوا. لم تنفع زيارة أمير قطر. نط من بلده. وصل لدقائق معدودة. مسرحية تافهة ومهينة للبنان واللبنانيين. حركة كراكوزية فاشلة ومعيبة. أفضل منه من غاب، وكان غيابه مشرِّفاً للبنان…
هل يصدق أحد أن هذه القرارات والاقتراحات تستحق حبرها؟ الجامعة، قلما وفت بوعودها. لا تنمية، لا تعاون، لا سوق مشتركة، لا ما يجمع بينهم ابداً. انظمة تؤدي فروض الطاعة لدول الحماية، وتقوم بتطويع شعوبها بالقوة والغصب والترهيب والتعذيب.
أي جامعة هذه الجامعة؟
يليق بها أن تموت، وتدفن بجنازة سرية. وبلا مراسم عزاء.