طلال سلمان

قضية مأساة اسمها أوجلان!

ضاق العالم حتى صار زنزانة.
لم يعد عالم نهاية القرن العشرين، عالم حقوق الإنسان (!!) يتسع للأحلام. لم يصبح العالم قرية كونية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات والمواصلات بل بفضل شبكة المخابرات الجهنمية التي تتحكّم بمصائر الشعوب والأوطان في أربع رياح الأرض. تحصي على الناس أنفاسهم، تقرأ نواياهم، تدقق في أسمائهم وملامحهم فتسمح لهم وتحرمهم من نعمة الحياة.
بالمقابل يتسع هذا العالم المتصاغر أو المقزم للطغيان، للدكتاتورية، للرأسمالية المتوحشة، للعنصرية التي يمارسها »شعب الله المختار«… ويتسع للرئيس الأعظم ومغامراته الجنسية في قلب مكتبه الرسمي (البيضاوي) في البيت الأبيض.
لكن هذا العالم الفسيح، المتمدّد الآن صوب الشمس مخترقاً الفضاء وكواكبه والمجرات، لم يعد يتسع لثائر واحد يحاول كسر قيوده وتأكيد إنسانيته. لم يعد يتسع لقصيدة.
المأساة ليست أن يتواطأ هذا العالم المحكوم بالعسف والمخابرات والمال الأسود ضد مناضل اسمه عبد الله أوجلان، بل في أن أحداً لم يتوقف ليتعامل مع هذا القائد المحبوب لشعبه الكردي الأبي كقضية قبل أن يجري تحويلها إلى مأساة.
لقد أُسقطت عن الأكراد إنسانيتهم، فلم تعد لهم قضية، وتحولت مطالبهم البسيطة جداً إلى مصدر خطر على الكون، بحيث تتعاون الدول، شرقاً وغرباً، ضد هذا الثائر الشريد الذي نجح في إسماع صوتهم للدنيا، وفي تحويلهم من قطيع بشري بلا هوية إلى »شعب«.
وما مطالب »الكردي« في تركيا؟!
إنه لم يرفع يوما راية الانفصال عن »الدولة العلمانية« التي يقودها ويعلّمها الديموقراطية جنرالات الأتاتوركية، ولم يسع الى امتيازات فيها، ولا طالب بأن يكون له من السلطة ما يعادل وزنه الديموغرافي.
لقد طالب الكردي أن يغني بصوته، وأن يدرّس أطفاله لغتهم، وأن يكون أبناؤه »مواطنين«، وأن يعيش بالحد الأدنى من الكرامة اللائقة بإنسان.
في زمن مضى، التفت بعض الدول الغربية، ولأسباب انتهازية إلى هذا الشعب المقتول في وطنه، بشيء من العطف، فأرسلت إلى قراه الفقيرة بعض البطانيات والدواء الأحمر والمسكنات وفضلات الأكل والخيم والمرشدات الاجتماعيات والمدربين على الديموقراطية!
ثم صدر الأمر فإذا الأكراد إرهابيون وقتلة أطفال، وإذا الحكم التركي (المرفوض لأنه لا يحترم حقوق الإنسان!!) يبتز العالم كله (ربما بفضل العراق ونفط الخليج وربما بعد التحالف مع إسرائيل) فتتعاون أجهزة مخابرات الدول على مطاردة عبد الله أوجلان حتى اعتقاله، وهو الشريد المهيض الجناح الذي لا يجد من يؤويه فيقبله لاجئاً أو سجيناً.
طبعاً لا يمكن إغفال مسؤولية الانقسامات الكردية التي وصلت إلى حد الاقتتال بالسلاح بين الأخوة، والتي تجاوزت حدود التواطؤ إلى الخيانة الصريحة، بعضهم للبعض الآخر، وهي انقسامات أشرفت عليها ونظمتها ورعتها تمويلاً وتسليحاً شبكة المخابرات الدولية إياها التي طاردت أوجلان حتى اصطياده في منفى بلا سقف مثل كينيا.
… على أن هذا يفتح حديث الجرح العربي في فلسطين، في العراق وفي أنحاء أخرى كثيرة،
كلنا في الهمّ شرق!
لكن الهمّ »شرقي« أيضاً!!

Exit mobile version