طلال سلمان

قرار ضد فلسطين قمة

في ما يشبه العملية الإرهابية المباغتة، فرضت الولايات المتحدة الأميركية على شعب فلسطين (والعرب!!)، وباسم مجلس الأمن الدولي، قراراً جائراً يُنكر عليه حقوقه الطبيعية في أرضه، محاولاً رشوته بكلمات مبهمة عن »دولة« ما، مع تجاهل مستفز لواقع الاحتلال الإسرائيلي لكامل هذه الأرض تقريباً، والقتل الجماعي للشعب والتدمير المنهجي لأسباب الحياة في أرضه المحروقة.
»وجدته على مكتبي«، قال جورج بوش، وكأنه »بوغت« بمشروع القرار الأميركي الذي أخرج من التداول مشروعاً آخر كانت أعدته سوريا باسم المجموعة العربية، وكان سيطرح »القضية« بأساسياتها، مستضيئاً بوهج الدم المقدس، ومستفيداً من »التعاطف« الدولي مع الضحية الفلسطينية، و»الغضب« المتزايد من جنون الدم الشاروني الذي كان أخذ يُحرج »الأصدقاء« فيكاد يخرجهم… وبينهم بعض »عرب الصلح بأي ثمن«.
كان ضرورياً أن يواكب القرار المبتور بقصد مقصود، جولة نائب الرئيس الأميركي على العرب تمهيداً وإعداداً للحرب الجديدة التي يتم التبشير بها علناً وكأنها إنجاز حضاري، ضد شعب العراق.
وكان ضرورياً أن يسبق القرار وصول جنرال وقف إطلاق النار، زيني، محدداً سقف التحرك (والآمال) بترتيبات تينيت ومقترحات ميتشل، وجميعها يتعاطى مع بعض نتائج الاحتلال المتمدد والمستشرس قافزاً من فوق أساس الصراع وجوهر الحقوق الفلسطينية.
كذلك كان القرار ضرورة تكتيكية لمحاصرة القمة العربية في بيروت، بحيث يكون سقفها »نصراً شكلياً« دولياً، لا يوقف المذبحة المفتوحة، ولا يردع الاحتلال عن الاستمرار في ممارساته الوحشية، فضلاً عن أنه يساوي بين الضحية والجلاد، ويدمغ المقاوم الفلسطيني بلحمه بالإرهاب والاستفزاز والتحريض… وكأن أطفال مخيمات اللجوء هم الذين ينطلقون بطائرات الاف 16 وحوامات الأباشي، وكلها أميركية، لضرب مدن »شعب الله المختار« ومرافقه ومنشآته والمصانع المنتجة »للهاي تيك«، فضلاً عن المفاعلات النووية!
وفي الوقائع فإن المندوب الاميركي قد فاجأ الجميع، ولا سيما المجموعة العربية، بمشروع قراره، ورفض ادخال اي تعديل عليه، و»ارهب« اصدقاءه العرب فتخلوا عن »مشروعهم« وتخلوا أيضاً عن ضرورة التأكيد على قرارات مجلس الامن السابقة، بدلا من إيرادها في المقدمة كمرجع، كذلك تجاهلوا إسقاطه مرجعية مدريد.
الأخطر ان بعض المجموعة العربية، خوفا من الغضب الاميركي، قد رفض محاولة »تعريف« الحدود الآمنة بربطها بحدود حزيران 1967… ورفض ايضا ربط الاشارة الى »الدولة« بإنهاء الاحتلال، كأنما يستطيع الفلسطينيون في ظله ان ينشئوا دولة حتى في خيمة!
ببساطة: استغلت الولايات المتحدة تهافت بعض العرب لتجميد حركة المعترضين، فصدر قرار منتصف الليل الأشوه، ليشكل خسارة فادحة للنضال الوطني الفلسطيني الذي يتعملق الآن مقاربا »حرب التحرير« بفضل الصمود البطولي للنساء والرجال والاطفال، ولقوافل الشهداء اليومية التي حمت الوحدة الوطنية بدمائها، مجمدة كل »التعارضات« و»التناقضات« بين »السلطة« و»الفصائل«، مستخدمة القليل من السلاح الذي تملك للرد على الاحتلال المزدوج: بالجيش وبالمستعمرين الذين استقدمتهم اسرائيل من مختلف بقاع الارض لتقطع بمستعمراتهم اوصال الضفة الغربية وغزة، ولتفرض على الفلسطينيين حصارا أبديا بالسلاح يمنع حلم الدولة من ارض يقف عليها.
وببساطة: فقد أسقطت الولايات المتحدة، بهذا القرار الظالم الأشوه، مجلس الامن كمرجعية، وانتزعت إقرارا فلسطينيا بعدم جواز اللجوء الى هذه المنظمة الدولية بعد اليوم، بعدما حصرت »حقوق« شعب فلسطين بين تينيت وميتشل، وحاصرت العرب بخيار بائس: بين اطلاق النار على فلسطين وسلطتها او اطلاق الحرب على العراق وشعبه!
ولكي تكتمل »الفتنة« فقد اشاد نص القرار »بمساهمة ولي العهد السعودي« ملقيا الشبهة على هذه المساهمة الخاضعة بعد لكثير من التعديلات والاضافات والاستدراكات التي تجعلها »عربية« وتؤهلها لأن تكون »مبادرة«.
انه قرار أشوه، متعسف، يحاول ان يفرض حلاً اسرائيلياً بختم مجلس الامن الدولي، للقضية الفلسطينية.
انه قرار ينسف المرتكزات الاساسية للحق الفلسيطيني التي سلمت بها المنتديات الدولية جميعاً، والتي كانت تبنتها اوروبا، والتي كانت ادارات أميركية سابقة قد قاربت الاعتراف بها.
بل قد لا يكون مالبغة ان يوصف القرار بأنه هزيمة عربية جديدة لا تتسق وهذه الذروة الشاهقة التي بلغها النضال الفلسطيني.
لم يدفع شعب فلسطين، في انتفاضته المتواصلة طوال 18 شهراً، 1197 شهيداً (حتى أمس) من اجل قرار ملغوم يحمل الرقم 1397 يجهض معظم حقوقه في ارضه، ويتجاهل بالمطلق وقائع الاحتلال العسكري الاسرائيلي وفظائعه اليومية التي تجعل »الدولة« مجرد وهم لاقوام لها ولا نصاب، ارضها لغير شعبها، وشعبها بغير حقوق واضحة ومحددة ونهائية فيها.
ولأن »عرب الصلح بأي ثمن« يتعجلون انهاء الانتفاضة بأسرع ما يمكن، وقبل ان يكتمل بنيانها كحرب تحرير فعلية تفضح فضلا عن عجزهم طبيعة اسرائيل العنصرية، وتخلخل حكومتها، وتقلق عليها »اصدقاءها« الذين جهروا بخوفهم عليها من »شارونها« واندفعوا لإنقاذها من نفسها..
ولأن »عرب الصلح بأي ثمن« مازالوا اسرى رعبهم من الولايات المتحدة، فها هم يضحون بحقوق فلسطين، وقد يضحون غداً بالعراق.
لقد حاولت واشنطن خنق قمة بيروت العربية، من قبل ان تنعقد، تحت سقف واطئ عنوانه قرار مجلس الأمن لكن جوهره انقاذ شارون وحماية الاحتلال الاسرائيلي.
والمعركة مفتوحة بعد… برغم الارهاب الاميركي الداعم للارهاب الاسرائيلي.
والدم الفلسطيني سيكون الحاضر الاعظم في قمة بيروت التي تزيّن صدرها بشهداء التحرير الذين هزموا الاحتلال… الجبار!

Exit mobile version