طلال سلمان

قرار حصار ووقف نار

من خلال الشروح الموضحة للجانب التنفيذي من القرار ,1701 التي سمعها اللبنانيون مباشرة وبالصوت والصورة، من الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي أنان في بيروت، أمس، يتبدى كم أن هذا القرار الذي قبله لبنان بالاضطرار، ظالم ويفتقد التوازن، إذ هو يقدم المعتدي بشروطه على المعتدى عليه، بكل جراحه الثخينة وخسائره الفادحة.
والقرار يعكس، بطبيعة الحال، الانكسار الفاضح في ميزان القوى الدولي، الذي يتجسّد بالتالي انحيازاً مكشوفاً للمطالب الإسرائيلية على حساب الحقوق الشرعية للبنان.
فالقرار ينطلق من أن لبنان ممثلاً هنا ب حزب الله هو المعتدي، وأن إسرائيل إنما كانت في موقع الدفاع عن النفس!!، وبالتالي فهذا يبرّر جرائمها المنظورة متمثلة بالتدمير شبه الشامل للبنية التحتية، بدءاً بمطار رفيق الحريري الدولي مروراً بالمطارين الرديفين في رياق والقليعات، وصولاً إلى مئات البلدات والقرى والضواحي المدن جنوبي بيروت، وفي البقاع وعلى امتداد الجنوب، وصولاً إلى المرافئ والمرافق العامة والمصانع والمعامل حتى البسيطة منها… كذلك فهو يبرّر مجازرها المتعددة بالقصف الجوي المتواصل على امتداد ثلاثة وثلاثين يوماً والذي كثيراً ما أدى إلى دفن الأطفال والنساء والرجال أحياء تحت ركام منازلهم، حتى لا ننسى قانا وأخواتها.
لقد أخرت الدول بقيادة الإدارة الأميركية صدور القرار الدولي كي تتمكن إسرائيل من مد الحرب ومن إسقاط مجموعات من المظليين في نقاط متقدمة تقيم بها أمراً واقعاً يفرض ظله الأسود على التنفيذ..
ثم إن الغطاء الدولي مكّن لإسرائيل أن تفرض حصاراً بحرياً وجوياً قاسياً، يمكن اعتباره مداً للحرب بوسائل لا تقل إيذاءً عن القصف التدميري.
لكن المفاجأة غير السارة التي باغت بها أنان اللبنانيين تتمثل في ابتداعه ما أسماه المنطقة الأمنية ، وهي من خارج نص القرار، ودلالاتها سيئة جداً، خصوصاً أن إسرائيل كانت أقامت بقوة احتلالها مثل هذه المنطقة بقوة سلاحها على امتداد عمر القرار .425 ولعل الحكومة قد رفضتها كائنة ما كانت الإيضاحات المرافقة وذلك كله لن يطمس حقيقة يعرفها الآن العالم وهي أن لبنان قد صمد، بوحدة شعبه ووحدة سلطته من خلف مقاومته الباسلة وهي تقاتل بكفاءة عالية على امتداد ثلاثة وثلاثين يوماً طويلة، في مواجهة الجيش الأقوى في المنطقة، فتمنعه من تحقيق أهدافه وتلحق به خسائر فادحة أبرزها إسقاط الأسطورة التي كانت تجعله القوة التي لا تقهر و الذراع القادر على الوصول بالتدمير إلى أقصى الأرض العربية شرقاً وغرباً .
بل إن هذه المقاومة الباسلة قد فضحت بؤس الحياة السياسية في إسرائيل وجنون العظمة في قيادتها العسكرية، وها هي تفوض أمر المسؤولية عن الفشل في هذه الحرب إلى لجان تحقيق قد تمهد لانقلاب فيها.
لكن مباشرة الحديث الرسمي مع لبنان انطلاقاً من منطوق القرار غير المتوازن، سيكشف أن ظلماً إضافياً سيلحق بهذا البلد الجريح، بمعزل عن النوايا الطيبة التي يحملها السيد أنان…
خصوصاً أن الأمين العام قد شهد الحصار بأمّ عينيه، كما شهد بعض الدمار وسيشهد غداً خلال رحلته إلى الناقورة المزيد والمزيد والمزيد منه. مع ذلك فالمطالب الإسرائيلية تتقدم على المطالب اللبنانية حتى ليتبدى في لحظة كأن لبنان هو الذي ما زال يحتل أرضاً خلف حدوده، ويحاصر إسرائيل بالظلمة وتقييد حرية السفر منه وإليه وتعطيل مرافئه وحركة التجارة.
كذلك فإن القرار الذي يفتقد العدالة بدليل أنه تجاوز النص على وقف إطلاق النار وحدد فقط وقف الأعمال العدوانية ، ترك لإسرائيل أن تقرّر بحريتها المطلقة متى تجلي قواتها عن الأرض اللبنانية التي احتلتها في الأيام بل الساعات الأخيرة لحربها، ما يسترهن الإرادة الوطنية بالاحتلال ومعه الحصار.
وليس مؤكداً أن السيد أنان سينجح في إقناع إسرائيل بالإفراج عن لبنان، بغض النظر عن حسن استعداده وحسن نواياه، ما يجعل إسرائيل قادرة على أن تحقق عبر النص غير المتوازن نتائج لم تستطع تحقيقها بالحرب: فالحصار أشد وأدهى، وتعليق الأعمال العدوانية بغير تحديد موعد لوقف النار وبالتالي لجلاء قوات الاحتلال، يُبقي لبنان رهينة حتى إشعار آخر.
مع ذلك، يتمنى اللبنانيون أن ينجح في مهمته الصعبة مع الطرف الإسرائيلي الذي يحاول أن يعوّض بالقرار مشفوعاً بالحصار، ما لم يتمكن من تحقيقه بحرب التدمير التي آذت لبنان في عمرانه ولكنها لم تستطع النيل لا من وحدته الوطنية ولا من تماسك سلطته، ولا من تمسّكه بأرضه، ولا خاصة من إحساسه بأنه حقق إنجازاً تاريخياً مفاده أن إسرائيل اليوم والغد هي غير إسرائيل ما قبل 12 تموز .2006
لقد كسر لبنان حاجز الخوف من هذه القوة الأسطورية.. وتلك هي البداية.

Exit mobile version