طلال سلمان

قراءة لبنانية في فضيحة صدام داخل بلاط حسين

أما وإن الأحوال في لبنان »ممتازة«، والدولة في إجازة لم تقطعها إلا للاحتفال بإعادة تأهيل الكازينو،
وأما وإن القادة السياسيين والمراجع والفعاليات يمضون صيفù هادئù، لا يعكّر صفوهم فيه إلا بعض الرذاذ الذي يصلهم من أحاديث الضائقة الاقتصادية والأزمة المعيشية وهواجس الأقساط المدرسية وأعباء تشرين العائلية، بعيدù عن »الاستحقاقات« الرئاسية التي لا علاقة لهم بها مع أنهم هم من سيتحمّل أعباءها كاملة،
أما وإن كل شيء هادئ على الجبهة الداخلية، برغم الحضور الدائم للطيران الحربي الإسرائيلي في أجواء لبنان، لمكافحة »الإرهابيين« و»المخربين« أو مَن تبقى منهم، الذين ما زالوا يرفضون الموت صمتù ويستمرون في إطلاق النار على آليات الاحتلال وجنوده فيحرمونهم من النزهات الآمنة في بعض أنحاء الجنوب والبقاع الغربي،
أما والحالة هذه فلا بأس من نظرة متفحصة إلى النتائج السياسية لبعض الفضائح العائلية في بعض القصور »الملكية« العربية، خصوصù وأنها فرضت نفسها »خبرù أول«، وطغت فغطت على »المسيرة السلمية« وحرفت خط سير أبطال الجولات المكوكية، وأرجأت روزنامة الاحتفالات الموعودة في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض في واشنطن…
* **
لسان حال الناس، اليوم: »كنا بصدام حسين فصرنا بالملك حسين«!
بصيغة أخرى، كان التساؤل المدوي بعد »الفضيحة العائلية«: هل اتخذ الأميركيون، فعلاً، القرار بالاستغناء عن خدمات »أبي عدي«، وبأي ثمن، ولحساب مَن؟!
أما الآن فالسؤال الجدي الذي يشغل الجميع هو: ما حدود المدى الحيوي للخدمات التي سيقدمها »أبو عبد ا”«، وبأي ثمن، وعلى حساب مَن؟!
مع استدراك ضروري: إن مصير صدام حسين، كما تعلن الوقائع والتصريحات والمناورات السياسية والعسكرية لم يطرح أبدù وليس مطروحù الآن.
أي أن الصفقة الجديدة تجري وصدام ضمنها وليس خارجها،
وهي تكاد تكتمل فصولاً وإسرائيل طرف مقرّر فيها، ظاهر ومعلن، وليس مموهù أو من وراء ستار.
والملك الذي أخرجه تحالفه مع صدام حسين من معظم الجزيرة والخليج (حتى لا ننسى السلطان قابوس)، قبل خمس سنوات، يعود الآن من الباب العراقي ذاته مصطحبù معه بقايا صدام حسين.
ولقد خرج حسين مرذولاً ومنبوذù ومتهمù بالاستغراق في أحلام اليقظة وبينها استعادة العرش الهاشمي في الحجاز، والاستعداد لذلك بإطلاق لحيته وإحياء ألقاب بعض أجداده »الشريف حسين«، أي شريف مكة وملك الأرض الإسلامية المقدسة.
أما حسين العائد الآن فهو محصن بالرعاية الأميركية الكاملة، ومعزّز بقوة حليفه الجديد، الاسرائيلي، مع حرص واضح على استبقاء ما تبقى من الحليف القديم، حاكم بغداد الباقي كشاهدة القبر فوق أنقاض العراق.
* * *
بعض الوقائع لا تجد تفسيرها الا بعد حين، وهنا واحدة:
عشية التوقيع على الاتفاق المرجأ الاعلان عنه، في وادي عربة، بين الملك حسين وصديقه القديم رئيس حكومة اسرائيل اسحق رابين، وفي ظل رعاية الرئيس الاميركي بيل كلينتون، كان بين »مطالب« ملك الأردن أن يحظى بعضوية مجلس التعاون الخليجي!
كان الطلب يفوق الخيال ويتجاوز القدرة على الضغط… وتدخلت واشنطن لاقناع الملك بأن يطلب بداية، وربما بأن يكتفي، بعودة سفراء السعودية وبعض الخليج الى عمان، كخطوة في اتجاه المصالحة، ومن ثم استعادة الدور والحظوة والمساعدات العامة والخاصة.
الآن يستطيع الملك ان يدعي أنه قد عاد وهو أقوى مما كان، وعاد مفروضù على الذين رفضوه برغم الشفاعة الاميركية، قبل سنوات.
والملك العائد الآن ثلاثة في واحد: فهو يحمل في داخله اسحق رابين ومشروعه الاسرائيلي للمنطقة، و»أشلاء« صدام حسين وأوهامه التي بالنتيجة فتحت الباب على مصراعية للأحلام الاسرائيلية.
* * *
بعض الوقائع لا يحتاج تفسيرها الى عبقرية:
هل نزل الجند الاميركيون في الأردن، بتسهيلات اسرائيلية معلنة، لحماية »ابي عبدالله وبيته الآمن لمن يدخله« من حليفه القديم »ابي عدي«، الذي ثبت ان بيته لا هو آمن ولا هو أمين؟!
أم أن هذه المناورة المشتركة قد افتعلت لتغطية الانتشار الاميركي الواسع النطاق في انحاء مختلفة من الجزيرة والخليج، ومرة اخرى بذريعة حماية الجميع من صدام حسين الذي يكاد يعجز الآن عن حماية مخبأه داخل قصره؟!
أم هي قنابل الدخان التي تغطي الاقتحام الاسرائيلي »السلمي« للجزيرة والخليج عن طريق »بيت الخبرة« الملكي في عمان الذي أثبت بالتجربة انه هو القادر والمؤهل والجاهز لاداء الدور المفتقد بطله الاصلي؟!
* * *
الملك هو الأبرع في المزايدة كما في المناقصة،
زايد على صدام حسين في حربيه الخاطئتين، ضد إيران وضد الكويت، فجنى ارباح الحربين دورù متجددù ورخاء اقتصاديù وفر دمù جديدù للعرش المفلس،
وها هو يتخطى منافسه في المناقصة ياسر عرفات فينتزع لنفسه الوكالة الحصرية للمشروع الاسرائيلي للمنطقة، تحت الرعاية الاميركية!
مع صدام حسين في الكويت كان المنطق الملكي يقول بأن عودة الاحتلال الاجنبي للارض العربية يجب أن تتقدم على ذريعتها المباشرة: الغزو العراقي للكويت،
اما الآن فها هو يستدعي او يغطي وللمرة الثالثة نزول القوات الاجنبية في الاردن، وهذه المرة بتسهيلات اسرائيلية، كمقدمة لتوسيع الانتشار العسكري الاميركي في الجزيرة والخليج.
* **
معظم النار من مستصغر الشرر؟!
كم مهمة »نظيفة« ادى هذا الحسين كامل حسن عبد المجيد؟!
انه يكاد يفوق معلميه سواء في بغداد او عمان او العواصم البعيدة!
* * *
الضجيج في عمان، وأصداؤه تعصف بما خلفها من عواصم نفطية،
لكن الرصيد الاسرائيلي الجديد سيستخدم لمزيد من ابتزاز الاميركيين، وبالتالي لتشديد الحصار على سوريا ومعها لبنان، أي على رافضي »سلامها« على الطريقة الفلسطينية الاردنية: أي وقع أولاً ثم يجيء زمن قراءة صكوك الإذعان!
والمهمة الملكية الجديدة قد تكون الاسوأ في تاريخ هذا العرش الذي تحول من حصن خلفي لحماية الكيان الاسرائيلي، الى جسر للهيمنة الاسرائيلية على المنطقة،
وهي مقامرة تذكر بصدام حسين وإن كانت تتم بأسلوب ملكي رفيع،
والمرجح أن العرش أضعف من أن يتحمل نتائج خسارة جسيمة كالتي تعد بها هذه المقامرة الأخيرة.

Exit mobile version