طلال سلمان

قراءة في صورة انان عند نصر لة

الصورة أوضح وأهم من أي كلام يشرحها، ودلالاتها أبعد بكثير من ظاهرها: الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في مقر الأمين العام ل»حزب الله« السيد حسن نصر الله، في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، تحت العلم اللبناني، وإن كانت شعارات الحزب وصور مفجّر الثورة الإسلامية في إيران والقائد المرشد الخليفة علي خامنئي وبعض الشهداء من قياديي حزب المقاومة تشكّل الخلفية الطبيعية للمشهد النادر، المجلَّل بشعائر الحداد على العظيم الراحل حافظ الأسد.
إن الصورة ليست خاتمة أو إعلاناً بغروب شمس الأمس، أمس الاحتلال والمقاومة، بعدما تمّ الانتصار بالتحرير.
وهي لا تمثل ذروة الاعتراف الدولي بمشروعية المقاومة تمهيداً لمطالبتها بأن تسلم سلاحها وتصرف مجاهديها إلى العمل السياسي والخدمة الاجتماعية.
فمثل هذا الاعتراف حصل وتأكد من قبل، و»تفاهم نيسان« أبرز محطاته.
إنه إعلان، بالصوت والصورة، عن حاجة الجميع إلى المقاومة اليوم أكثر من الأمس، وغداً أكثر من اليوم، مع اختلاف الأهداف والأغراض.
فإذا كانت الدولة اللبنانية تحتاجها لكي تؤكد جدية تحفظها حول »الخط الوهمي« الذي ابتدعته الأمم المتحدة بديلاً من الحدود الدولية المعترف بها، وما زالت تريدها وسلاحها في يدها لاستكمال الانسحاب وإزالة ما لا يمكن قبوله من اختراقات أو ثغرات في تنفيذ القرار 425.
وإذا كانت تريدها، بعد، وسلاحها في يدها، تأكيد لربط النزاع حول الموضوع الأصلي للصراع العربي الإسرائيلي، وبخاصة ما نال لبنان منه تحديداً على مستوى لجوء بعض الشعب الفلسطيني إليه وغموض المصير المقدَّر للثلاثمئة ألف لاجئ فلسطيني فيه، أو يزيد.
فإن الأمم المتحدة تحتاج هذه المقاومة، بقيادتها المعقودة اللواء ل»حزب الله« ليس فقط من أجل ضمان السلامة لقواتها العاملة في الأرض اللبنانية التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضا لأن استعداد هذه المقاومة للتعاون في تنفيذ القرار هو الشهادة التي لا غنى عنها على عدم انحياز الأمين العام، أنان، ومن ثم المنظمة الدولية إلى جانب الاحتلال.
لقد قام كوفي أنان بالزيارة بدافع من عرفان الجميل، لإبداء الشكر والامتنان.
وهي زيارة أخذ فيها أنان أكثر مما أعطى،
فهذه المقاومة التي نالت بدماء مجاهديها، كما بالتفاف لبنان كله، شعبا ودولة من حولها، وبالدعم السوري المفتوح، وبالرعاية الإيرانية العلنية، وبالتعاطف العربي الواسع، مسؤولة ومطالبة ومعنية بحماية هذا المكسب السياسي الممتاز للبنان بداية، وللأمم المتحدة التي حصلت أخيرا على اعتراف إسرائيلي معلن ولو بواحد من قراراتها الكثيرة والمهملة (لا سيما ما يتصل منها بأساس الصراع أو بنتائج الحروب الإسرائيلية على العرب).
فلقد كان لهذه المقاومة دور لا يمكن نكرانه أو إغفاله في »إعادة الاعتبار« إلى الأمم المتحدة وقراراتها، وانتزاع الموافقة الإسرائيلية الاضطرارية على تنفيذ واحد منها.
و»الزيارة«، وإن كانت إضافة نوعية إلى الرصيد المعنوي للمقاومة وللأمين العام ل»حزب الله«، تتجاوز الاعتراف والشكر إلى طلب المساعدة والتعاون مع قوات الأمم المتحدة، بما يعزز ويوطد القبول اللبناني الرسمي (على تحفظه) في إدراج المهمة الجديدة لهذه القوات في خانة التنفيذ الفعلي للقرار 425.
بعد الدولة ومعها لا بد من صلة خاصة وتعاون استثنائي واعتراف متبادل بين قوات الأمم المتحدة و»حزب الله«.
وهذا الهامش من التمايز (داخل التنسيق، وفي إطار التكامل الحتمي) بين الدولة والمقاومة مفيد جدا بل هو ضروري جدا، فملف الاحتلال الإسرائيلي لم يُغلق بعد، ولا يجوز أن يعلن إغلاقه رسميا طالما ظلت حبة تراب واحدة من الأرض الوطنية تحت الاحتلال الإسرائيلي.
إن قوات الأمم المتحدة إنما جاءت وبقيت ولسوف تعزّز الآن بألف جندي جديد، معظمهم من الخبراء في نزع الألغام، من أجل تأمين لبنان في وجه مخاطر الاجتياح أو الاحتلال أو التدمير الإسرائيلي، وهي لم تأت مطلقا لتأمين إسرائيل من »الخطر« اللبناني سواء بالاجتياح أو بالاحتلال أو بالتدمير.
والتهديدات الإسرائيلية بتدمير شامل للبنان إن أُطلقت رصاصة واحدة من أرضه ما زالت تدوي في فضاء المجتمع الدولي وتحظى بتفهمه: ماذا تريدون أكثر من جلاء قوات الاحتلال عن أرضكم!
إن قيادة المقاومة تعي تماماً، وهي قد أعلنت صادقة مرارا وتكرارا، أنها ليست بديلاً من الدولة. ليست دولة داخل الدولة وليست سلطة موازية. لا في القرار السياسي، ولا »على الأرض« المحرَّرة.
ومؤكد أن الغرور لن يصيب السيد حسن نصر الله بعد زيارة كوفي أنان، ولن يأخذه الوهم إلى المطالبة باعتباره »الممثل الشرعي والوحيد لشعب لبنان«.
فرأس السيد حسن باردة، وتجربته ساخنة بحيث تعصمه من ادعاء ما ليس فيه وما ليس معداً له وما ليس مطلوباً منه.
لقد أثبتت المقاومة عموماً، و»حزب الله« على الخصوص، أهليتها في الميدان العسكري لأنها تتمتع بعقل سياسي راجح، ولأنها تقرأ الخريطة السياسية بذهن مفتوح، ولأنها تعرف قانون التوازنات.
وتعرف المقاومة أن موقعها الذي قد يبدو مهدداً الآن (بانتفاء الغاية من وجودها كما يروّج المنزعجون من هذا الوجود) يستمد مشروعيته من ضرورته.
أما كفاءة قيادة المقاومة فقد تأكدت بجهوزيتها الدائمة وباستشفافها التحولات، وبحضورها أو جهوزيتها للاحتمالات كافة: قاتلت ببسالة طلبا لتحرير الأرض، فلما جاءت ساعة التحرير لم تفقد رباطة جأشها ولم تسكر بالنصر فتغفل عن مواجهة الإشكالات والمشكلات والألغام التي زرعها الاحتلال قبل جلائه، في الأرض كثيراً وفي »الناس« أكثر!
وها قد جاء زمن الامتحان الأصعب: أن يمسك الحزب بالأرض وبالناس من دون أن يغدو سلطة أمر واقع بديلاً من السلطة الشرعية، وأن يحمي الحدود من دون أن يتحول إلى حرس حدود، وأن يتعاون مع القوات الدولية من دون أن يصير بديلاً من الجيش أو ملحقاً به.
أما الصورة فيمكن ضمها إلى الأرشيف باعتبارها اعترافاً بالفضل من طرف الأمين العام للأمم المتحدة الذي لولا »حزب الله« وكل من حمل بشرف سلاح المقاومة وقاتل من أجل تحرير الأرض، لما انتعش كل هذا الانتعاش بحيث بات ينتقد الضحية ويلومها بدلاً من محاسبة الجلاد.
أما بقية الدروس فللأخوان العرب الذين يواصلون نضالهم من أجل التحرير، وخلاصتها: بالمقاومة لا بالتنازل يكون التحرير وتنفيذ القرارات الدولية، وزيارات كوفي أنان الأبيض اللحية والنوايا!

Exit mobile version