طلال سلمان

قراءة في إحتمالات المواجهة في ظل نتنياهو و»إتفاق الخليل

العمامة سوداء هاشمية، واللقب »السيد« توكيد للنسب الذي ما زال يحظى، عموما، باحترام شعبي للتراتبية، واسم الحزب مميز بل هو استثنائي »حزب الله«.. لكن »اثر الديالكتيكية« واضح في التحليل وفي الخطاب السياسي عموما.
»حزب الله« اللبناني مختلف، بحدود، عن »احزاب الله« في مناطق اخرى.. لقد اخذ من فرادة« لبنان الكثير، وتمكنت قيادته من انجاز عملية توفيق نادرة بين مقولات شبه دينية وبين اعتبارات السياسة اليومية في بلد صار الدين فيه طائفيات ومذهبيات لا تحقق ذاتها فعليا الا في الاستثمار السياسي.
وكأي قائد سياسي محنك وصاحب منطق متماسك يرتكز على خلفية دينية راسخة، فمن الصعب »مباغتة« الأمين العام »لحزب الله« السيد حسن نصر الله.
كما ان اللقب الهاشمي مع العمامة السوداء مع طقوس التعامل مع دعوة لها جذرها الفقهي، كل ذلك يفرض حدودا على محاولات الاستدراج او الاحراج.
ثم ان »السيد« مدرب جيدا ويتقن »علم الكلام«، فهو لا يتوقف للرد على مقاطعة، ولا يخرج عن السياق الذي قرره، ولا يترك موضوعا الى آخر حتى يقول فيه كل ما يريد ان يقوله.
ولقد كان للحوار مع الامين العام ل»حزب الله« محوران اساسيان:
1 موقع الحزب في اللعبة السياسية الداخلية، بالتحالفات والاشكالات والاشتباكات مع السلطة وأفقها، بعد تجربة الانتخابات النيابية الجديدة التي يرى البعض انها هزت جماهيره الواسعة ورصيده الكبير الذي زاد كثيرا بعد »حرب نيسان«.
2 توقعات حزب المقاومة لطبيعة المواجهة، بعد التبدل الذي طرأ على القيادة السياسية في اسرائيل، فحمل اقصى التطرف الى مركز القرار، ثم تعزز موقعه هذا بعد »اتفاق الخليل« الذي »حرره« من صورته الاصلية وفتح له آفاقا كانت مقفلة، وأطلق يده في القرارات العسكرية، ربما بأكثر مما كانت مطلقة، بكل ما يرتب ذلك على سوريا ومعها لبنان، والمقاومة فيه اساس، من اعباء اضافية.
هنا الحوار الذي ظل فيه »السيد« متلفعا بعباءة مواقفه الثابتة معززة الآن بالديالكتيك الناجح.
»ط.س«
مراجعة نقدية للانتخابات
{ اكتسب »حزب الله« نتيجة تفاهم نيسان، في نظر البعض، حجما اضافيا، جاءت الانتخابات النيابية لتأخذ منه بدلا من ان تعكسه، الان، كيف تقيّمون حجم التبدل الذي حصل في موقع الحزب، قياسا الى ما قبل، وما بعد الانتخابات؟
لا شك في ان موضوع الانتخابات كان محل تقييم جدي في وسط الهيئات القيادية ل»حزب الله« وحتى على مستوى مختلف الكوادر. ومن خلال تجربة الانتخابات، يمكن للانسان ان ينطلق ليقيم الكثير من السياسات والاداء والتحالفات.
عشية الانتخابات، كان الحجم الشعبي ل»حزب الله« كبيرا ومهما جدا، ومستوى التأييد له كذلك الامر.
{ اقل مما كان عام 1992؟
اكثر، من دون شك، ونحن كنا قد اجرينا قبل انتخابات 92 دراسة احصائية لمختلف المناطق التي نحضر فيها انتخابيا، وأعدنا الكرة قبل انتخابات 96، وتبين ان حجمنا الشعبي يكبر. طبعا هناك عوامل عدة ساعدت على هذا النمو، ونحن نعتبر اننا تيار يتنامى ويكبر »وبعدو ما ختير«، بل انه في ريعان الشباب، كما ان ما جرى في حرب تموز وفي حرب نيسان وما تلاهما، اعطى زخما ل»حزب الله«.
ان تقديرنا يخلص الى اننا لم نتراجع شعبيا فى انتخابات 96.
{ اكيد؟
نحن واثقون.
{ هناك انطباع مغاير…
ان لدينا أرقامنا، اما تراجع عدد اعضاء كتلتنا النيابية من 12 نائبا عام 92 الى 9 عام 96، فسببه لا يتعلق بالحجم الشعبي، وإنما هناك عوامل اخرى مؤثرة. مثلا، لا شك في ان قانون الانتخابات الذي اعتمد عام 96 بطريقة تقسيمه للدوائر، كان له تأثير سلبي، فعندما يكون البقاع دائرة واحدة يصبح مستوى التحكم مختلفا عما هو لو ان البقاع دائرتان او ثلاث.
العلاقة بالطوائف
{ هذا يطرح معضلة كبيرة حول جوهر علاقتكم بالطوائف الاخرى.
اريد ان اقول ان المشكلة لم تكن شعبية على مستوى جمهورنا العام في الوسط الاسلامي، او في الوسط الشيعي بشكل خاص. النقطة الثانية، لم تكن هناك مشكلة تقبل لنا من الطوائف الاخرى. ومثلا، فإنه يتبين من عدد الاصوات التي نالها مرشحنا علي عمار في دائرة بعبدا، ان الاصوات الشيعية والمسيحية التي حصل عليها افضل بكثير مما حصل عليه عام 92، وكذلك الامر بالنسبة الى الاصوات الشيعية والمسيحية والسنية التي حصل عليها الحاج محمد برجاوي في بيروت عام 96.
{ ولكن هذا عائد الى حجم المشاركة الاكبر، والى التحالفات مع قوى سياسية كانت غائبة وحضرت…
لكن في هاتين الدائرتين، سجل حصار وإطباق علينا من الرؤساء الثلاثة، اضافة الى ملابسات التحالف الذي كان قائما مع الحزب التقدمي الاشتراكي. في نهاية الامر، ان الذي يتحكم بحركة الانتخابات ميدانيا هو مستوى التحالفات، والتحالفات ليست خاضعة في اغلب الحالات لاعتبار مدى قبولك لدى الطرف الآخر، او لطبيعة العلاقات القائمة مع الطرف الآخر. مثال على ذلك، انه خلال 4 سنوات نشأت علاقة جيدة وممتازة بيننا وبين الحزب التقدمي الاشتراكي، وحصل تعاون في اكثر من مجال، وكان هذا امرا مشهودا، ولكن حين دقت ساعة الانتخابات، حصل الافتراق.
الاستنفار الطائفي
{ من الامور التي تستوقف المرء، ان »حزب الله« خلال الانتخابات الماضية، اثار حالة من الاستنفار المذهبي والطائفي في محيطه، وهذا يشير الى خلل كبير…
في الحقيقة، ليس »حزب الله« هو الذي يتسبب بالاستنفار المذهبي والطائفي.. في البقاع، وحتى في الجنوب، بمجرد ان اعلن »حزب الله« انه يريد ان يفتش عن حلفائه بملء اختياره، وأنه يريد تشكيل لوائح مع الاطراف المعارضة للسلطة، حصلت هجمة قاسية جدا على الحزب من قبل اركان السلطة، ومن مواقع اساسية فيها، ولهذه الهجمة ادواتها. قبل الائتلاف في البقاع، كان هناك جو من التحريض المذهبي والطائفي، فوق العادة، كما جرى مثلا داخل مدينة زحلة، وقد كانت واحدة من المشكلات التي واجهت بعض الشخصيات، والدينية منها خصوصا، عند حصول الائتلاف، هي ماذا ستقول للناس الذين كانت تحرضهم ضد »حزبالله«، وهذه مشكلة عاشها اطراف كثر في واقعة الانتخابات النيابية.
الخلل لم يكن في مدى انفتاحنا على الطوائف والقوى الاخرى، ونحن خلال السنوات الخمس الماضية مارسنا حركة انفتاح واسعة، لكن في لبنان، وهذه احدى مصائب هذا البلد، ان اية جهة تريد ان تحاربك او تخاصمك في اطار سياسي او انتخابي او اي اطار آخر، فإن اسهل سلاح تستخدمه في المواجهة هو استحضار العصبية الطائفية.
لم نقمع
النقاش الحزبي
{ خرج الحزب من الانتخابات على وقع اتهامات قاسية وجهت اليه، من نوع انه خان حلفاءه وتخلى عنهم، وغير تحالفاته في الانتخابات، ان بتحالفاته وإن بمصداقيته ورصيده. هل اجريتم مراجعة نقدية صريحة وقراءة صارمة لتجربة الحزب السياسية عبر الانتخابات، وهل بلغتم نتائج محددة يمكن كشفها للناس، تحدد مكامن الخطأ، وبمعنى آخر هل تنشّط الحوار الداخلي في الحزب، ام انه قمع وأوقف؟
الحوار الداخلي في الحزب اخذ ابعد مدى، ولا اعتقد ان هناك موضوعا على مستوى التجربة السياسية ل»حزب الله« استأثر بهذا القدر من النقاش والجدل الداخليين. وحتى في الصحف حصلت نقاشات، ونحن لم نكن نرى ان الامر مناسب حتى يبلغ هذا الموضوع صفحات الصحف قبل ان تكتمل المناقشة الصريحة الداخلية، لأننا شعرنا بأن هدف بعض ما يكتب في الصف ليس الحفاظ على المسيرة او تصويب مسارها او لفتها الى ثغرات وأخطاء، وإنما الاستفادة مما يفترض انه ثغرات او اخطاء او خلل في الأداء اثناء الانتخابات النيابية للثأر من »حزب الله« وفتح النار عليه بقصد تهشيم صورته. ومن هنا اكتفينا ببعض الردود لبعض الاخوان، واعتبرنا ان هذا المقدار كاف، في انتظار ان ننجز تقييمنا، وينبغي ألا ننجز الى رد فعل على بعض ما يكتب في الصحف.
اما داخل الحزب، فقد جرت حوارات مهمة جدا لم تتركز فقط على الانتخابات النيابية، بل اننا انطلقنا من الانتخابات لنناقش علاقاتنا وتحالفاتنا وفهمنا ورؤيتنا لكثير من القوى والاطراف والمواقف والمعطيات… هذا الموضوع اخذ مدى كبيرا، ولا شك في انه ترك اثرا على بعض رؤى وسياسات الحزب.
وليس صحيحا اننا كنا نرفض الائتلاف ثم وافقنا عليه. الحقيقة اننا كنا نريده، منذ البدء، استنادا الى قراءتنا للوضع الاقليمي والظروف برغم وجود جو في داخلنا يفضل عدم حصول ائتلاف، ولكن قرار القيادة كان معه، لأنها وجدت مصلحة فيه، وجرت لقاءات مكثفة، ونحن لم نكن نناقش فقط العدد في الائتلاف، بل كنا نناقش مستقبل العلاقة خلال السنوات الاربع المقبلة مع الطرف الذي يفترض اننا سنأتلف معه، ولم نتوصل الى اتفاق، فاتجهنا نحو تحالفاتنا الاخرى الطبيعية، وقد أعلنا سلسلة مواقف حتى نفرض على انفسنا الذهاب الى النهاية في تحالفاتنا الجديدة. وهكذا قلت بعد انتخابات بعبدا »لن ندخل لوائح السلطة«. ولا أخفي انه بعدما اضطررنا الى الائتلاف لاحقا، توقفت قواعدنا مليا عند الامر، وطرحت تساؤلات حول: لماذا نقول »لن«، ثم نقبل، وهذه اعتبرناها علامة خير كبيرة لأنها تشير الى كم ان قواعدنا تراقبنا، حتى ضمن نطاق »لم« و»لن«.
ما جعلنا نبدل تحالفاتنا ونعود الى السير بالائتلاف الذي تحقق ليس احتمال ان تنتزع منا وزارة ووظائف، او ان تمنح لنا، فهذه »مسامحون بها«. إذاً، ليس لأسباب انتخابية ولا لأسباب سياسية محلية، اننا رجعنا الى الائتلاف. نحن قلنا بكل صراحة، اننا رجعنا اليه بسبب وضع اقليمي هو اكبر منا.
استقالة.. لم تتم
{ من طُرد من قيادة »حزب الله«، نتيجة ارتباكات الانتخابات؟
لم يُطرد احد، ولن يطرد احد.
{ هل صحيح انك قدمت استقالتك في حينه؟
حتى نكون دقيقين.. انا لم اقدم استقالتي، ولكن وهذه المرة الاولى التي نتكلم فيها عن الموضوع بشكل رسمي في بعض الجلسات الداخلية التي تلت الاتفاق على الائتلاف، وقبل احتفال النبطية، لم يكن خفيا وجود جو ضاغط جدا داخل »حزب الله«، يواكبه نقاش حاد حول الائتلاف. وأنا قلت لكل الاخوان ان هناك مصلحة كبرى في السير به، وهذا قرار متخذ ويجب تنفيذه، فإذا رفضه الحزب فيصبح المخرج الطبيعي والقرار الطبيعي بالنسبة اليّ هو تقديم استقالتي، وقد ابلغت الاخوان ان هذا وارد في ذهني، على مستوى التفكير الشخصي، لأن اية قيادة تتخذ قرارا تجد انه غير مقبول عند كوادرها وقواعدها وجمهورها، وهي في الوقت ذاته التزمت به، من الطبيعي جدا ان تستقيل وتترك لآخرين ان يقودوا هذه المسيرة وهذا الحزب، ضمن معطيات جديدة، او تصوّر جديد.
{ ألا تعتقد ان استقالتك، لأسباب داخلية، كانت ستشكل خدمة لإسرائيل، خصوصا ان قضية »حزب الله« المركزية هي قضية المقاومة؟
على كل، انا لم اقدم استقالتي. وفي تلك الايام، موضوع الانتخابات لم يكن عاديا، وإنما كان يتناول الدور السياسي الكامل ل»حزب الله«، وكانت قواعد الحزب تتعاطى معه بمنطق امانة المقاومة، وأمانة دماء الشهداء.
{ الى أي مدى تأثرت المقاومة بالانتخابات؟
في تلك الفترة، كنا نعتبر ان إقدام العدو الاسرائيلي على عدوان اثناء الانتخابات هو احتمال وارد. وكوننا مقاومة، فنحن معنيون بأسوأ الاحتمالات. وقد يستغرب البعض اذا علم ان الجهاز الاكبر في »حزب الله«، وهو جهاز المقاومة وتوابعه، كان منصرفا بالكامل عن الانتخابات وهمومها.
{ انما لوحظ في تلك الفترة انخفاض في وتيرة العمليات…
لم يكن هناك من توجيه سياسي لهذه المسألة، بل ان جهاز المقاومة كان يحضّر لمواجهة احتمال العدوان.
{ هل اثر تفاهم نيسان سلبا على هذه الوتيرة؟
بالعكس، وحتى الاحصاءات الاسرائيلية تشير الى ان عمليات 1996 فاقت عمليات 1995، وأغلب العمليات حصل بعد تفاهم نيسان الذي أراحنا اكثر على هذا الصعيد، لأن هذا التفاهم وضع ضوابط، نحن في الاصل ملتزمون بها.
تعقيدات الحياة السياسية
{ كخلاصة لتجربة الانتخابات النيابية، هل تعتقد ان هذه التجربة صعبت على »حزب الله« إمكانية ان يكون حزبا لبنانيا بالمعنى السياسي اليومي، وهل عدّلت نوعيا العلاقة بمع الرئيس نبيه بري؟
لا نستطيع القول انها صعبت او سهلت، ومن جملة الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها، انه نتيجة الظروف وتركيبة الوضع اللبناني وما يحيط به، لا يستطيع اي حزب ان يعبّر ببساطة عن قناعاته وطموحاته وحجمه، ولا يستطيع أيضا ان يوظف طاقته لمصلحة اهداف وشعارات، حتى ولو كانت محقة وعادلة.. هناك تعقيدات في الساحة اللبنانية تحول دون ذلك. هذا احد الاستنتاجات المهمة. انما نحن لم نستنتج انه لا دور لنا في الحياة السياسية الداخلية واليومية، بل على العكس، ان قراءتنا مرحلة الانتخابات النيابية وما قبلها، على مستوى التجربة السياسية التي عشناها خلال السنوات الماضية، جعلتنا نبلور اكثر كيف يمكن لنا ان نثبت حضورنا في الحياة السياسية اليومية.
{ كيف؟
سأنطلق من مجموعة عناوين.. وجودنا في مجلس النواب لا يعني اننا في السلطة الحاكمة، حسب التركيبة الفعلية، نعم، نحن في واحدة من مؤسسات النظام، نحن من انتخابات 1992 وحتى انتخابات 1996، رسمنا خيارنا في المضي في صف المعارضة، وهذا طبعا ما عبرنا عنه في جلسة الثقة. حصلت نقاشات داخلية مهمة حاولنا فيها ان نحدد انه اذا اردنا نحن ان نكون في المعارضة فلنضع أهدافا قريبة ومباشرة، وليدخل هذا في عملنا السياسي اليومي، سواء كنواب في كتلة نيابية، او كحزب لديه قدرة سياسية، او كنقابات، او كحضور على المستوى الشعبي، وعندما جئنا لتحديد اهداف هذه المعارضة، طبعا الاهداف القريبة والمباشرة، وأهداف لنقل انها واقعية اي انها تأخذ بعين الاعتبار ظروف الوضع الذي يحيط بنا، وخصوصا على صعيد المقاومة، بالاضافة الى ضرورة اخذها بعين الاعتبار ايضا مسألة الاولويات، يعني قد يناقشنا البعض بشكل معارضتنا، ولكن شئنا او ابينا، نحن في هذه المعارضة محكومون بأولوية اسمها اولوية الحفاظ على المقاومة واستمرارها وتصاعدها ايضا، ولذلك نحن لا ندع الامور في المقاومة تصل الى نقطة تكون فيها على حساب المقاومة. وتطبيق هذه المسألة يصبح جانبا عمليا وإجرائيا. لقد درسنا علاقاتنا مع الرؤساء الثلاثة، كيف يجب ان نتعاطى معهم. درسنا علاقتنا مع القوى الموجودة على الساحة اللبنانية، وهذا الموضوع وضعنا له تقييما جديدا.
مما لا شك فيه ان الانتخابات قد اثرت في اعادة تقييم هذا الجانب.
{ ولكن مَن ابعد الرؤساء الثلاثة عنكم؟
الحقيقة ان الاجابة صعبة عن هذا السؤال. نحن في موضوع العلاقة مع الرئيس بري، فإننا في جو الائتلاف الذي حصل قد حرصنا على ان نؤسس في علاقتنا مع الرئيس بري، ويمكننا القول اننا في البدايات. وقد لمسنا من الرئيس بري جدية كبيرة، ونحن من طرفنا أيضا، كنا ندرس الامر بجدية كاملة. ونحن حريصون على حصول التعاون.
{ وفاقكم مع الرئيس بري مثل وفاق الترويكا بالضبط؟
مشكلتنا، نحن، اننا لم نزل شرقيين زيادة، يعني اننا نأخذ وقتنا لنتصالح، وإذا تصالحنا فإننا »نطوّل« لكي نتزاعل، يعني اننا لم نصل بعد الى مرحلة نتحالف فيها اسبوعا ونتخاصم اسبوعا.
معارضة.. بلا صدام
{ الملاحظ ان مشاركتكم العملية في نشاط المعارضة تأخذ شكلا مختلفا. ففي تظاهرة »يوم القدس« تحشدون ما لا تصلون الا الى نسبة قليلة منه اذا شاركتم في تظاهرة من اجل المطالب الحياتية، او من اجل الحريات على الارض؟ هل هناك ضوابط تحد من حركتكم أيضا؟
احب ان اعلق على مسألة تظاهرة القدس. نحن اليوم في شهر رمضان، ويوم القدس مقبل. يمكن انه في السنة الماضية قد اثير هذا الموضوع. الحقيقة، نحن نقيم مهرجانا في هذا اليوم (يوم القدس)، يعني ان الناس تتجمع في مكان، ويحصل في دائرة هذا المكان عرض رياضي او كشفي او… ونحن نعتبر هذا الامر مهرجانا، وليس تظاهرة. وهذا ما يفرقه عن اي تظاهرة اخرى قد يحصل فيها تجمع بشري يسير من مكان الى مكان. نحن نقيم تجمعا »مهرجانيا«، إذا صح التعبير، وليس تجمع تظاهرة لكي تقع مشكلة بيننا وبين وزارة الداخلية… هم مشكلتهم مع التظاهرة، عندما يكون لدي سقف مقاومة، فمما لا شك فيه ان للمقاومة تبعات. وعندما احصّل ايجابيات كبيرة من خلال عملي في المقاومة، ومن خلال تأدية رسالتي ومسؤوليتي وواجبي، وهذا مثلما له غُنْم (اذا صح التعبير) له ايضا غُرم، يعني ان له تبعات يجب ان اتحملها. بالحقيقة، ان ما يمكن ان يناقشه اي مواطن مع »حزب الله« هو: هل هذه الاولوية التي تتبعها لحركتك وجهادك ولنضالك هل هي اولوية صحيحة؟؟
نحن مقتنعون بأنها اولوية صحيحة، »حزب الله« يكتسب اهمية سياسية اكثر منها محلية. يعني دعني اقل ان »حزب الله« هو الحزب الوحيد الذي يمتلك اهمية وقيمة اقليميتين، وبقية الاحزاب السياسية او القوى لها قيم محلية.. وهذا الامر اكتسبه »حزب الله« من خلال مقاومته. نحن نعتبر ان مسؤوليتنا بالمقاومة تدفعنا الى التضحية بمسائل كبيرة من اجل هذه المقاومة.
وهناك موضوع اتكلم عنه بصراحة، من الممكن ان يناقش البعض انه لماذا لا ترقى معارضة »حزب الله« الى مستوى ان ينزل الحزب ثقله الشعبي في التظاهرات؟ ولماذا لا يلجأ الحزب الى الاضراب او العصيان المدني؟ لو لم تكن هناك مقاومة لكان »حزب الله« شيئا آخر.
المقاومة تعطي قوة معنوية كبيرة ل»حزب الله«. عندما اتحرك واقاتل على جبهةا لمقاومة، والمطلوب مني في الداخل تصعيد المعارضة الى هذا المستوى، هذا المستوى الذي لا اريد ان اتكلم عن تعاطي الاطراف الاخرى معه، يعني من قد يبقى في الساحة، هذا المستوى من المعارضة، هل يؤدي الى صدام بين »حزب الله« وبين السلطة. نحن ضد اي صدام يخل بالامن وبالاستقرار في لبنان، فهذا يؤثر بالتأكيد على مستوى الاداء ومستوى التصعيد الذي يمكن ان نعمل من خلاله كمعارضة، حتى لا يكون أي صدام بين المقاومة او حزب المقاومة وجمهوره، وبين السلطة، وخصوصا ان السلطة السياسية من اسهل الامور عندها هو دفع المؤسسة العسكرية الى الواجهة. ولذا فإن هذا الصدام سيكون على حساب لبنان وشعب لبنان ومقاومة لبنان، وخدمة جليلة لإسرائيل. وهذا امر لا شك فيه. فعندما تكون محكوما بتنظيم اولويات من هذا النوع، لذلك حتى ادائي في المعارضة يجب ان يلتزم ايضا بهذه المسألة.
إذا دعا الاتحاد العمالي العام الى تظاهرة، هل المطلوب ان يأتي »حزب الله« بقواعده لكي تسير في تظاهرة الاتحاد العمالي العام. فالتظاهرة لم تعد تظاهرة الاتحاد العمالي العام، اصبحت تظاهرة »حزب الله«. فهل من مصلحة المطالب العمالية في لبنان ان يصبح »حزب الله« هو الذي يقيم التظاهرة، وأن تصبح مشكلة حقوق العمال جزءا من اشكال »حزب الله« والسلطة؟؟.
{ كيف تنظرون الى اشكالية التوفيق بين دوركم في المقاومة، وبين دور داخلي هدفه التغيير أو الاصلاح في الوضع الداخلي الذي يعاني منه جمهور المقاومة؟
في الوضع الحالي الذي نقدر فيه ان نجمع بين الدورين، هو ان نضع أمامنا هدفا في الحركة السياسية الداخلية: التزامنا بالمقاومة، وهذا لا يدعنا نتحول الى موالاة، وهذا الحد الادنى محسوم. وهناك اشكال ما بين السلطة وبين المقاومة. عندما اريد ان التزم بأولوية المقاومة، وعندما افرض على نفسي ان اكون محكوما بهذه الاولوية، فإنني اضع هدفا مباشرا: انه مطلوب ان احقق ما استطيعه في هذه المسافة الزمنية، من عدل، كم استطيع التخفيف من الظلم، كم استطيع ان ادفع عني من خسائر، كم استطيع ان اصلح وأن احمي مجتمعي، وأن احافظ على الحريات العامة، وان اساعد العمال عى تحقيق مطالبهم، وان اساهم في بقاء حياة سياسية، وإن بطيئة في لبنان. لنكن واقعيين، هذا موقع »حزب الله« ، وهذا ما يعمله.
ولكن ليست هاك حياة سياسية في البلاد؟
انا اريد ان ابقي الدم ساريا في العروق، وأنا لا ادع هذه الحياة تموت، وفي الوقت نفسه، ونتيجة موقعي السياسي المحلي، ونتجية قوتي المعنوية التي اكتسبتها من المقاومة، اذا استطعت تحقيق اي انجاز، يعني بالمدى المنظور »اذا بدي اطلع من حكاية التغيير والاصلاح«، اريد القول، بالدرجة الاولى، انني حزب مقاومة، وهذا صحيح، وهو واقع يفرض نفسه علينا، ويطبع شخصية حزبنا بشكل كبير، وهذا لا يعني ان اخرج من الحياة السياسية، لأن البعض يقول اذا لم تكونوا قادرين على تغيير المعادلة في لبنان، فاخرجوا من الحياة السياسية. وهذا ليس عدلا، لأنه اذا كان الامر على هذه الحال، فيجب على كل اللبنانيين الخروج من الحياة السياسية. نحن لن نتحول الى موالاة، نعارض لأننا غير مقتنعين بكل الأداء السياسي للسلطة. ابقى محافظا، اتكلم، احاول ان اصحح خللا، وان ارفع الصوت بالحد الادنى. حتى على المستوى الفكري، نحن لدينا هذه المسألة. ان الانسان إذا كان في مجتمع، وأداؤه السياسي لم يستطع ان يغير ولكنه قادر على التكلم، فيجب ان يتكلم. حتى على مستوى الفكر السياسي، انه اذا كنت موجودا في ساحة وتوجد سياسات خاطئة، ولست قادرا على تغيير هذه السياسات حاليا، ولكنني قادر على تسليط الضوء على هذا الخطأ، فإن واجبي ان استمر في الاشارة اليه.
{ يبدو انكم اصبحتم معلقين على الاحداث اكثر من مشاركين. يعني صحافيين؟
»مش مشكلة«، الصحافة جزء من الحياة السياسية.
{ كان يحصل أحيانا ان الاتحاد العمالي العام كان يدعو الى إضراب لاعتبارات معينة، فما هو تبريركم لعدم الالتزام بهذه الدعوة في الضاحية؟؟
عادة، عندما توجه الدعوة في اطار المؤتمر الوطني او لقاء وطني او تجمع وطني، فإن حجم الاستجابة لدى الناس لا يكون بحجم الاستجابة عندما يوجه »حزب الله« الدعوة، حيث تكون استجابة قواعده اكبر بكثير من الدعوة العامة المنبثقة عن مؤتمر حضره 50 او 60 شخصا.
{ هل لديكم ملاحظات محددة على أداء قيادة الاتحاد العمالي العام؟
بالدرجة الاولى، نحن مع ابقاء هامش من الحركة الواسعة للاتحاد العمالي العام، وان اي محاولة من قبل السلطة التنفيذية لوضع اليد على الاتحاد، او على النقابات، او على مجمل العمل النقابي، فنحن ضدها، وقد مارسنا على هذا الاساس في بعض الانتخابات النقابية، بين مزودجين »نقابة المهندسين«. يعني لقد رسمنا سياسة واضحة ضد وضع يد السلطة على النقابة، وتحالفنا مع كل القوى لمنع هذا الامر.
وأنا عندما ارسم هذه التحالفات اعرف حساباتي، وأنا لدي المحظور الاسرائيلي فقط. يعني حتى الموالي او المعارض للسلطة، ويتبين لنا ان له علاقات مع اسرائيل، وعلاقته مع اسرائيل تتحرك في اطار اسرائيلي، فإن علاقتنا تنتهي فورا معه. وهذا خط احمر لا يتجاوزه »حزب الله« نهائيا. بالنسبة الى قيادة الاتحاد، ومنذ بداية تحركها، نحن قلنا لها انه ما دامت مطالبها هي مطالب محقة، ونحن مقتنعون بها، فنحن معها من دون مشكلة. ويهمنا ان تتخذ قيادة الاتحاد قرارها، وعندما تنسق مع قوى سياسية، فمن الطبيعي ان تنسق معنا، لكوننا من القوى السياسية الداعمة للاتحاد العمالي العام. وعندما يأخذون قرارا بإيقاف تظاهرة، او الغاء اضراب، او تأجيل، فهم من يتخذ هذا القرار. هناك حركة نقابية موجودة، ترفع شعارا محقا، تناضل من اجل تحقيق مطالب محقة، نحن حاضرون للتعاون معها ضمن الحدود التي نقدر عليها. فإذا جاء الاتحاد العمالي وقال نحن نريد ان ننظم تظاهرة، فإننا نقول نحن لدينا حصة محددة لهذه المشاركة. وهذا صريح وواضح، والذي أتكلمه في الاعلام اقوله في الجلسة الداخلية، يعني لا احد يتوقع اني سآتي بقواعد »حزب الله« وأضعها في التظاهرة.
ملفات لإشغال اللبنانيين
{ ننتقل الى مواقف سريعة من عناوين عدة مطروحة الآن: ما هو رأيكم في موضوع الزواج المدني، وهل يفيد في الحد من الحالة الطائفية؟
الزواج المدني لا يحقق الغرض المراد منه، اي ان يخفف الطائفية او يلغي الحالة الطائفية. وهذا واضح، الحالة الطائفية في لبنان ممتدة على مدى قرون وعميقة في الجذور النفسية وفي وجدان وضمائر الناس، لا يحلها قانون او اجراء. الموضوع الطائفي يجب ان يواجه بعمل تربوي وتثقيفي وتعبوي طويل المدى، يعني لا احد يستطيع ب10 سنوات او 20 سنة ان يزيل هذه الحالة. والذي يتصور انه اذا قررنا الزواج المدني او حتى قمنا بإلغاء الطائفية السياسية في لبنان والتي ننادي نحن به، لا يعني هذا اننا ألغينا الحالة الطائفية في هذا البلد ولكننا قمنا بإجراء على مستوى النظام، ولكن على مستوى الترتيب العاطفي، الاجتماعي والوجداني والفكري والثقافي والديني والانساني وحتى الغرائزي فلن نكون قد حللنا شيئا.
{ يعني فعليا مستحيل إلغاء الطائفية بكل هذه العوامل.
الغاء الطائفية من المجتمع اللبناني، هو واحدة من اهم المشاكل التي نواجهها.
{ هل نستطيع ان نفصل الطائفية وحدها والسياسية وحدها، فالطائفية تعبر عن حالة سياسية، فالطائفية موجودة والطائفية السياسية موجودة.
لا اريد ان اصل الى هذا المستوى من الاستحالة، فمن الممكن ان نجد صيغة او ترتيبا معينا، ولكنني اسلّم ولكي اكون واقعيا، ان الغاء الطائفية السياسية في لبنان وضمن مجتمع طائفي ليس مسألة سهلة. انا لدي ملاحظة عامة على كل هذه الملفات التي فتحها رئيس الجمهورية، اي على طبيعتها، يعني يكون لدينا عشرون بندا وفي طليعتها الملفات الاجتماعية والمعيشية، فيعمد بعض الرؤساء او السلطة بدلا من التركيز على هذه الملفات والعمل على معالجتها بشكل جيد يبدأون بإخراج ملفات جديدة، ويتصاعد الغبار في البلد وتبدأ الحساسيات بالظهور، فلان الكلام عن الزواج المدني، او تعديل قانون الاحوال الشخصية، هي مواد خصبة لاستثارة وفتح جروحات عميقة. ففي هذا البلد حتى الحوارات الفقهية والعلمية تثير بلبلة شئنا او ابينا، والسؤال هو في الحقيقة لماذا بدل معالجة الملفات الموجودة يطرحون ملفات جديدة؟ وكأن المطلوب دائما هو اشغال اللبنانيين بملفات اخرى غير ضرورية منعا لمعالجتها.
اما بالنسبة للتعديلات الدستورية فحتى الآن لم يتقدم شيء اسمه تعديلات دستورية، لكي نعطي رأينا بها، ولسنا راغبين في دخول هذا السجال، ولذا بقينا خارج هذا السجال لأنه على المبدأ حصل سجال بهذا الحجم، فكيف عندما تُطرح التعديلات ويصبح النقاش جديا في هذا المجال. نحن ما دامت التعديلات الدستورية غير مربوطة بنا، يعني نحن لسنا مجلس وزراء عليه مناقشة التعديلات الدستورية بالدرجة الاولى، فالاطراف الموجودة في مجلس الوزراء هي التي يجب ان تأخذ موقفا، وإذا خرج شيء من مجلس الوزراء الى مجلس النواب واصبح للنواب رأي في هذا الموضوع عندها نحدد موقفنا من خلال الكتلة النيابية الموجودة لنا داخل المجلس.
الانتخابات البلدية
{ هل ستحصل الانتخابات البلدية برأيكم؟
ما تسمعه من مسؤولين معنيين مباشرة يؤكد أن الانتخابات البلدية ستجري في هذه السنة.
{ وكيف ستشاركون فيها؟
ظروف انتخابات كهذه تختلف عن ظروف الانتخابات النيابية. ومصدر التحكم للقوى السياسية بهذه الانتخابات يختلف ايضا، لأن البلدة التي هي الوحدة الانتخابية، تدخل فيها تعقيدات متنوعة، تجعل من الصعب اخضاع هذه الانتخابات الى تحالفات حاسمة، عامة ومن فوق. حتى الان لم ندرس او نحدد بصورة قاطعة تحالفاتنا. لكن بالدرجة الرئيسية، فإن ظروف هذه الوحدات الانتخابية هي التي ستحدد تحالفاتنا.
{ في تجربة الحركات الراديكالية والاسلامية، تلاحظ محاولة الحصول على اكبر قدر من مواقع القرار في انتخابات كهذه. هل ستتصرفون على هذه القاعدة من منطلق حزبي؟
اي قوة سياسية تطمح لأن يكون لها حضور كبير على هذا الصعيد. لكن، بالنسبة لنا، فإننا نضع امامنا هدف الوصول الى اكبر قدر من التفاهم والتعاون مع القوى السياسية والعائلية الفاعلة في هذه البلدات والقرى.
لسنا نعمل وفق قاعدة: إما نحن او ليذهب الجميع الى الجحيم، وحتى في البلدات التي ربما يكون لنا فيها التأثير الكبير. فالأصل بالنسبة لنا هو عدم الاستئثار بالقرار. ومصلحتنا كحركة اسلامية هي في المشاركة. وسنسعى الى عدم خوض هذه الانتخابات بذهنية حزبية.
تفاهم نيسان
{ لماذا تطلبون من لجنة المراقبة ادانة العدو لخروقاته. وأنتم تعرفون ان دورها الذي شاركتم انتم في صياغته لا يلامس هذا الوضع.
في نص التفاهم لا وجود لآلية عمل لهذه اللجنة. بعد ذلك، اجتمع سفراء الدول المعنية في واشنطن واتفقوا على آلية عمل اللجنة وخصوصا ان القرار يصدر بالاجماع، والاجماع يعني عدم وجود ادانة. لأن اسرائيل لا تدين نفسها، ولا لبنان سيدين نفسه.
بداية، كان من المفترض، ان اللجنة يفترض انجاز عملها خلال 72 ساعة وتخرج ببيان يحدد المسؤولية. ويعطي للطرف المعتدى عليه حق الرد او حق التأديب للجهة المعادية. هذا الأمر انتهى دوره ومفعوله عندما اصبح المطلوب تحصيل اجماع عند صدور قرارات اللجنة.
اسرائيل تأخذ بالاعتبار وجود هذه اللجنة، ونحن نلتزم بصورة حديدية بهذا التفاهم. ما نريده نحن باختصار، منع الخروقات الاسرائيلية المستمرة.. نحن نريد المزيد من الجدية في عمل هذه اللجنة. ومزيدا من الجدية من دول اللجنة بالضغط على العدو لوقف الخروقات.
{ هل تعتقدون ان العدو نجح من خلال هذه اللجنة في تحديد وتطبيق الدائرة السياسية العالمية التي يثار فيها موضوع الاعتداءات على جنوب لبنان؟
انا لا اقول ان اسرائيل نجحت بهذا الامر. انا اقول ان هذا الامر مرتبط بدور وبموقف لبنان. وقبل »تفاهم نيسان« بوقت طويل، وفي ظل حكومة الرئيس الحريري، لا وجود لشكوى لبنانية امام مجلس الامن.
لبنان هو الذي يقصر في تحريك الهيئات الدولية والاتحاد الاوروبي، ولا اعتقد ان وجود لجنة المراقبة عقبة.
{ هل لديكم ملاحظات على أداء الوفد اللبناني في اللجنة؟
لا نستطيع الدخول في هذه التفاصيل. لكن بالتأكيد فإن الوفدين اللبناني والسوري حريصان على مصلحة لبنان وعلى مصلحة المقاومة.
كيف تقيمون الموقف الفرنسي في هذا الاطار؟ هل هناك دور فرنسي جديد تلمحون له اثرا في الأفق؟
من الافتراضات التي يجب ان يفكر الجانب الفرنسي بها جيدا، هي: »لماذا تكررت الخروقات الاسرائيلية لتفاهم نيسان في فترة تولي المندوب الفرنسي رئاسة اللجنة؟ هل هذا احراج للاخراج، ام هو محاولة لدفع فرنسا الى اعادة النظر في ما بدا خلال الفترة الماضية انه موقف فرنسي يتميز لمصلحة لبنان وسوريا.
هناك التباس حصل. ما نشر في صحف العدو، وبعض التصريحات التي سمعناها. ومن ضمنها كلام النفي للسفير الفرنسي في لبنان. كل ذلك اظهر هذا الالتباس.
اريد ان اذكر بأنه، من خلال عدوان نيسان، ان الجانب الاوروبي، يقود نحو الاستفادة من الحرب الدائرة بحثا عن حل خاص بين لبنان واسرائيل. ولذلك لا اعتقد ان وحدة المسارين اللبناني والسوري حاضرة بقوة في السياسة الاوروبية.
{ لكن، ألم تشهد تغييرات في الموقف الفرنسي مثلا؟
ربما تحسنت الصورة، لكن حتى الآن، لا يبدو ان هذا الموقف اصيل وثابت. والسؤال هو: اذا كان بمقدور اوروبا ايصال لبنان والعدو الى حل للمشكلة القائمة في الجنوب، هل ينتظر حل المشكلة القائمة مع سوريا؟ انا اجيب بلا، هو الآن
ينتظر لأنه من غير الممكن حصول ذلك.
{ جرب الأوروبيون ذلك خلال مفاوضات نيسان؟
كل المبادرات التي طرحت آنذاك تقود الى فك المسارين.
وفرنسا تبحث عن دور أساسي، و(حرب) نيسان ادخلت فرنسا. وتحرص هي على لعب دور متوازن. نحن، لا نتوقع من فرنسا القيام بأكثر مما يقومون به، مراعاة لمصالحهم. باريس تريد لعب دور وسيط نزيه، أي انه ليس خصماً. ما نريد قوله: تريد فرنسا موقع التوازن، ليحصل ذلك. لكن لا نريد ان يستفاد من ذلك الى تمرير مشاريع هدفها فك المسارين او اضعاف المقاومة داخل المناطق المحتلة.
وما حصل مؤخراً داخل لجنة المراقبة، هو أن فرنسا وافقت على فكرة وقف اطلاق النار بين قوات الاحتلال والمقاومة خلال عمل اللجنة وهذا أمر غير صحيح. وما نقل الينا عن موافقة فرنسا على محاولة اسرائيل تعديل التفاهم بحيث تضع حداً للعبوات الناسفة مقابل وقف الغارات.. وما نقل عن عدم ممانعة فرنسية.. هذا الأمر هو الذي يجعلنا ندعو فرنسا لعدم جعل توازن الموقف لمصلحة العدو.
{ ما هي حقيقة »الكاتيوشا« اليتيم؟ من يقف وراء ذلك. وما اثر ذلك على »هيبة« السلاح ذاته؟
معلوماتنا لم تصل الى تحديد هوية الجهة التي التي تقف وراء هذه العملية. والتي تمت بصورة بدائية يمكن ان يقوم بها أي شخص.
والمقاومة ليس لديها الانتشار الكلاسيكي في المنطقة. نحن غير مسؤولين عن الأمن. ولكن مصلحة المقاومة تضطرنا لمعرفة ما يحصل.
من حيث التحليل، هذا العمل اساء الى المقاومة، وخفف كثيراً من وطأة الخروقات الاسرائيلية.
الأسوأ من كل ذلك: هو أن الاستخدام الخاطئ لهذا السلاح في هذا الظرف، اساء الى الكاتيوشا. لأن البعض وفي الداخل، أدان استخدام هذا السلاح من دون ان ينتبه الى ان الادانة يجب حصرها بكيفية استخدام هذا السلاح. نحن لم نرغب في الرد على هذا الأمر. ونحن نعتبر ما حصل بمثابة »عمل مشبوه«.
{ في أي ظرف تعتبرون ان المقاومة سوف تشرع لنفسها استخدام هذا السلاح؟
مع قناعتنا بأن لهذا السلاح قيمة كبيرة. ولحماية المدنيين كما حصل في تفاهم تموز وتفاهم نيسان. نحن سوف نعطي فرصة لهذا التفاهم. والحكومة اللبنانية قررت في نيسان استعادة مسؤولية حماية المدنيين. في بعض القرى الناس يطالبون شباب المقاومة بالرد على الخروقات بواسطة الكاتيوشا. نحن نقول ان هذا الأمر من مسؤولية الدولة. لكن لا يعفينا من مسؤوليتنا. ونحن لا نريد تحديد مدى زمنياً، بل سوف نعطي تفاهم نيسان كل الفرصة.
وتفاهم نيسان، قيِّد سلاح الكاتيوشا حتى اشعار آخر. لكن هذا الأمر ليس بمشكلة بالنسبة لنا. لأنه كان يهدف الى حماية المدنيين بصورة رئيسة وليس لأمر آخر.
ولنكن موضوعيين، ومع انزعاجنا من الخروقات الاسرائيلية المتكررة، فإن التفاهم بحد ذاته خفف من التعرض للمدنيين.
من قبل نيسان، نحن لم نكن نلجأ الى »الكوتيوشا« طوال الوقت. نحن نحتفظ بهذا السلاح ونقرر متى نشعر بالحاجة لاطلاق هذا الصاروخ.
{ هل تعتقدون بمنطق »للقوة حد ما«. مثل ان اسرائيل التي تملك قوة نارية هائلة لا تستطيع استخدامها بصورة كاملة لحل مشكلتها. هل للمقاومة حد يضبط قوتها ويحدد كيفية استخدامها ومدى ذلك؟
المقاومة لا تستخدم قوتها بشكل عشوائي. في بعض المراحل، نحرص الا نعطي العدو ذريعة قد نقرأ انه ينتظرها. نحن نراقب حركة العدو. خطابه، ظروفه، قراراته، وكيفية انعكاس ما يحصل من حولنا. ونعمل على الارض. ما يحصل هو اننا نضبط احيانا حركتنا تلبية لظروف نحن من يقدرها.
{ لماذا حصل التبادل في الاسرى مع نتنياهو ولم يحصل مع بيريز؟ ما صلة ذلك بالانتخابات داخل اسرائيل؟ ما هي حدود الضغط الالماني الايراني؟
اريد ان اكشف امراً، في المرة الاولى جاء الوزير الالماني وقال انه مقابل ما عندكم (جثتان واسرى من جيش لحد)، سوف نعطي عددا من الاسرى ورفات الشهداء، قدم لنا رقما معينا ورفضناه.
كان الوزير الالماني مستعجلا جدا، كان يريد حسم الملف خلال يومين، بأخذ الاسرى ويأتي بالاسرى.
ما اريد قوله، وافترض ان العدو يعتقد اننا فكرنا كذلك، هو اننا شعرنا بأن شمعون بيريز محتاج الى انجاز هذا الملف لتوظيفه في الانتخابات. فقررنا الاستفادة من هذه الحاجة لتحصيل اكبر قدر ممكن من المكاسب. واطلاق المزيد من الاسرى.
ما كان يهمنا هو الخلفية الانسانية وليس الخلفية السياسية المتصلة بوضع بيريز الذي لو وافق في حينه على ما عرضناه نحن من حيث عدد الاسرى. لكنا قبلنا ونفذنا الامر بصورة فورية.
بعد الانتخابات وفوز حكومة نتنياهو، عاد الوزير الالماني من جديد واحضر العرض السابق فلم نقبل به واثناء المفاوضات على مدى يومين زاد العدد واصبح 45 شهيدا، ونحن اعتبرنا ان هذا العدد معقول وان لا امكانية لتحصيل اكثر من ذلك، ما دام نتنياهو ليس مضغوطا ويستطيع ان يماطل طويلا ولا شيء يحشره كما كان شيمون بيريز محشورا قبل الانتخابات، ونحن نعتبر اننا اجرينا عملية تبادل بخلفية انسانية.
{ الملاحظ انه عندما كان بيريز يحتاج انتخابيا الى عملية التبادل، تشددتم انتم، وفي المرحلة التالية ظهر انكم انتم المحتاجين اليها انتخابيا، فتشدد نتنياهو.
كلا، نتنياهو لم يتشدد، وهو قدم العرض ذاته الذي قدمه شيمون بيريز مع العلم ان الاخير كان يحتاجه انتخابيا، مما يعني انه يفترض بنتنياهو ان يقدم ما هو دونه، لانه ليس تحت وطأة الحاجة ذاتها، وحين حصل التبادل قال بيريز: هذا الاتفاق من صنعي، ونتنياهو وافق على الصيغة عينها التي وافق عليها بيريز، لا بل انه قدم تسهيلات اكثر.
{ هل يجري التحضير حاليا لعملية تبادل جديدة؟
الموضوع الوحيد العالق هو موضوع رون آراد، وفي لقائنا الاخير مع الوسيط الالماني قلنا له اننا معنيون بالتفتيش عن آراد وما نزال نفتش عنه، ولكن حتى الآن لم نحصل على اي شيء جديد وطالما ان لا جديد لدينا، فليس هناك من حركة وساطة، انما نستطيع القول ان الاتصال مع الوسيط الالماني لم ينقطع.
{ وماذا عن موضوع الاسرى اللحديين؟
قبل فترة حصل تبادل، والمساعي مستمرة ودائمة عبر الصليب الاحمر الدولي لنرى كيف يمكن ان ننهي ملف الجثث، ومدى امكانية التوصل الى حلول جزئية لقضية المعتقلين في معتقل الخيام.
{ هل الخلاف الالماني الايراني الاخير يؤثر على موقفكم من الوساطة الالمانية؟
كل شيء يؤثر، خصوصا لجهة ما صدر عن بعض الجهات الالمانية بحق سماحة الإمام السيد خامنئي الذي هو بالنسبة الينا، ليس مجرد زعيم سياسي بل مرجعية دينية تحظى بمستوى عالٍ من الاحترام والقداسة، والمس بها بالشكل الذي حصل كان مؤذياً وسلبياً، ونحن اصدرنا بيانات عدة تدين الامر، اما حالياً فالوساطة لا تتحرك لعدم وجود عنصر جديد، ولكن الاتصال لم ينقطع.
{ يتردد ان المقاومة حاولت الحصول على اسرى اسرائيليين لاستخدامهم في المفاوضات ولم تنجح؟
هذا سؤال أمني.
الخير الأميركي
خلفيته شر
{ في موضوع مؤتمر اصدقاء لبنان، اكثر من جهة اعتبرت انه تعبير عن سياسة اميركية جديدة تجاه لبنان تعتمد على »الجزرة« مكان »العصا«، والبعض رأى فيه الوجه الأخر لمشروع حرب نيسان او الوجه الآخر لمشروع »لبنان اولا«، فهل تعتقد ان اميركا تحمست لهذا المؤتمر بخلفية فصل لبنان عن سوريا.
برأينا، ان الحركة الاميركية تجاه لبنان تستهدف دائما فصل لبنان عن سوريا، واي مشروع سياسي او اقتصادي او أمني ترعاه الولايات المتحدة في لبنان او حوله، النقطة الرئيسية فيه اخراج لبنان من دائرة التعاون والتنسيق الاستراتيجي والتفصيلي مع سوريا، وهذا التوجه لا ينسحب فقط على مؤتمر »اصدقاء لبنان«، وانما هو ثابتة في السياسة الاميركية.
الاميركيون منسجمون تماما مع الاسرائيليين في قضية فصل المسارين، وحاولوا كثيرا ان يوظفوا حرب نيسان لهذه الغاية، ومن لم يقدر على فصلهما في الحرب، سيحاول ذلك بأية وسيلة اخرى، بالاقتصاد، بالسياسة، بالدور بمحاولات الاختراق الدائمة والمستمرة، ونحن لا نستطيع قراءة الخلفية الاميركية الا بهذا الشكل، بمعزل عن ايجابيات مؤتمر »اصدقاء لبنان« وآثاره الاقتصادية، والحركة الاميركية حتى لو حاولت ان تقدم خيرا للبنان، فإن خلفية هذا الخير ليست خيرا وانما فصل لبنان عن سوريا لاستفراد كل منهما.
{ في معلومات منقولة عن وزير خارجية روسيا بريماكوف ان الرئيس رفيق الحريري ناقش، على هامش المؤتمر، مصير »حزب الله« مقابل فتح الباب امام المساعدات، ويقال ان نائب الرئيس السوري ناقش هذا الامر مع القيادة الايرانية خلال زيارته الاخيرة الى ايران، علما ان خدام نفى ذلك… فهل بلغكم شيء من هذه المعلومات؟
كلا، اما في طهران، وحسب معلوماتي، فإن امرا من هذا القبيل لم يناقش بين المسؤولين الايرانيين والسوريين، ولا معلومات لدينا عما اذا كان الرئيس الحريري قد ناقش ذلك خلال مؤتمر »اصدقاء لبنان«.
احتمالات التسوية
{ بالانتقال الى مسألة التسوية، الجميع يعتبر ان مجيء نتنياهو الى الحكم اقفل الباب امام مشروع التسوية الاميركية، هل ترى واقعية او منطقية في استنتاج من هذا النوع يقول بأن المفاوضات اقفلت على المسارين اللبناني والسوري، والا تظن ان بعض الضغوط الاضافية تدفع الى استئناف هذه المفاوضات؟
بعد اتفاق الخليل من الواضح انه يجري تلميع صورة نتنياهو في الاعلام، وفي حين كانت اسرائيل معزولة عقب مجيء نتنياهو، يحاولون الآن عزل سوريا ولبنان، ومما لا شك فيه ان ضغوطا كبيرة ستمارس على سوريا لتعود الى المفاوضات، وتصريح الوزير الشرع الاخير كان واضحا لجهة التأكيد ان الموقف السوري على حاله، لكن يجب ان ننتظر وهناك معلومات تقول ان وزيرة الخارجية الاميركية اولبرايت بصدد زيارة قريبة للمنطقة من اجل تحريك المسارات، فإذا استطاع الاميركيون ايجاد مخرج معقول للاطراف المعنية كي تعود الى طاولة المفاوضات، يصبح هذا الاحتمال قائما.
{ يروج ان اولبرايت لن تأتي الا لسماع الموافقة على صيغة جديدة للتفاوض.
اذا كان الاميركيون سيتحركون بهذه الطريقة الفوقية، اعتقد ان الموضوع سيكون معقدا جدا، وهم لن يصلوا الى نتيجة مع الرئيس ا

Exit mobile version