طلال سلمان

قراءة <لبنانية> اولية هزيمة اسرائيلية في حرب

لن تكون لتقرير لجنة فينوغراد عن الحرب الإسرائيلية على لبنان (12/7 2006814) قراءة موحدة في هذا الوطن الصغير، وقد كان خلالها الضحية والذي تجيئه الآن الشهادة بأنه قد خرج منها منتصراً…
سيظهر بين محترفي السياسة والمتعيّشين على الإثارة الطائفية والمذهبية من هو أكثر تعصباً لرئيس حكومة العدو الإسرائيلي ووزير دفاعه ذي المنظار المسدود الفتحتين، من أهل بيتيهما، فضلاً عن محازبيهما والأنصار.
وقد تتبدى في تعليقات بعض الذين دخلوا السياسة من بوابة الحروب الأهلية نبرة غضب، من هذه التزكية المعنوية العلنية لكفاءة قيادة المقاومة في لبنان، ولصدقها، ولقدرات مقاتليها الذين جاهدوا وصمدوا ببسالة حتى أفشلوا الحرب الإسرائيلية بعد ثلاثة وثلاثين يوماً بلياليها الدموية الطويلة.
يحتاج التقرير، بطبيعة الحال، قراءة متأنية في العرض الموسع الذي قدمه للقرار بالحرب ثم للنتائج التي انتهت إليها… لكن ما يمكن الإشارة إليه بسرعة هنا:
1 إن الحكومة الإسرائيلية قررت الحرب لأنها تتلاءم مع أغراضها السياسية.
2 كان هناك فشل، منذ القرار الأوّلي وحتى نهاية الحرب، واستمر التخبط، ولم تكن هناك مداولات، وكان ثمة تأخير في اتخاذ القرار بالعملية البرية الواسعة.
3 كان هناك خلل كبير في الجيش بمختلف أجنحته.
4 فشل في الإدارة تتحمله القيادة السياسية والعسكرية ونقاط التماس بين القيادتين.
5 لم يكن للرؤساء سيطرة في حرب بادرت إليها إسرائيل بنفسها ولم تنتصر فيها.
6 إن مقاتلي حزب الله قد صمدوا أسابيع عدة أمام أقوى قوة في المنطقة، واستمروا في إطلاق صواريخهم ضد أهداف في فلسطين المحتلة دون أن توفر إسرائيل رداً فعالاً عليها.
7 وجدت اللجنة فشلاً وتقصيراً على المستوى السياسي كما على المستوى العسكري.
8 لم يتوفر عمل قيادي موحد، وبالتالي لم تؤمن حماية السكان من الصواريخ.
9 لم تحقق العملية البرية أهدافها، ولم توقف إطلاق الصواريخ، برغم الكلفة الهائلة التي تكبدها الجيش.
10 لم يكن ثمة عمل قيادي منظم، ولم تحظ إسرائيل بأية إنجازات سياسية أو عسكرية خلال الحرب.
11 ضرب المدمرة الإسرائيلية في البحر، قبالة شواطئ بيروت ألقى ظلاله السوداء على سلاح البحر بكامله.
12 كانت لدى القيادة أضغاث أحلام، والإنجازات تآكلت جميعاً بسبب الفشل.
هذا يعني أن كل ما قالته قيادة حزب الله منذ الساعة الأولى وحتى الطلقة الأخيرة في هذه الحرب الإسرائيلية كان صحيحاً: القرار فيها كان إسرائيلياً مئة في المئة (من المفيد الإشارة إلى أن التقرير لم يتوقف كثيراً عند خطف الجنديين، وهي الذريعة التي استخدمتها إسرائيل، واستخدمها بعض المسؤولين العرب، أكثر، لتبرير الحرب..).
وهذا يعني أن قرار الحرب، إسرائيلياً، كان جاهزاً، وبالتالي كان بالإمكان استخدام أية ذريعة أخرى غير خطف الجنديين، لشنّها.
ولقد اختارت الحكومة الإسرائيلية ما يلائم أغراضها السياسية برغم أنه كان ممكناً توجيه ضربة سريعة غير متوقعة أو عملية عسكرية واسعة في الجنوب ..
اللافت بعد العرض التفصيلي لمجريات الحرب والأخطاء السياسية والعسكرية فيها، أن اللجنة تتوقف أمام القرار 1701 (الذي أصدره مجلس الأمن الدولي) على أنه إنجاز خطير لدولة إسرائيل!
[ [ [
لقد أضاع محترفو السياسة، بمعناها المبتذل، على اللبنانيين أن يعيشوا نشوة هذا الانتصار التاريخي، ولو من خلال صورته على المجتمع الإسرائيلي الذي ما زال يعاني من ارتجاجات سياسية وعسكرية مؤثرة جداً على قدراته، وعلى قوة الجذب التي يتمتع بها لاستدراج مستعمرين جدد إلى الأرض الفلسطينية المحتلة… وهم سيكونون جنوداً في أية حرب إسرائيلية جديدة ضد لبنان أو أي بلد عربي آخر.
كما أضاع المرعوبون من قوة إسرائيل الأسطورية، على مستوى القيادة العربية، فرصة الإفادة من هذا النصر الاستراتيجي لتحسين شروط التسوية عموماً، واستنقاذ بعض الحقوق الوطنية لشعب فلسطين في أرضه.
وهكذا فقد حوّل التحالف الجهنمي بين الخائفين من النصر، في الداخل وفي المحيط العربي، هذا الإنجاز التاريخي لقيادة حزب الله ومجاهديه إلى تهمة بل إلى جناية لا بد من التبرؤ من مرتكبيها حتى لا يعاقبنا السيد الأميركي الذي سرعان ما تصرف دون ورع أو خوف من افتضاح أمره، على أنه هو صاحب القرار بالحرب…
ولعل هذه الحقيقة بين ما يفسر اكتفاء لجنة فينوغراد بتوصيف الموقف وتحديد مواقع الأخطاء والارتباك والارتكاب الفاحش للأغلاط العسكرية..
فلو أعلنت الحقيقة كاملة لتوجبت محاسبة الإدارة الأميركية قبل محاسبة حكومة أولمرت الإسرائيلية: أفلم تعلن كوندليسا رايس من القدس المحتلة أن الحرب ستستمر، برغم المذبحة (مجدداً) في قانا، والتي ذهب ضحيتها عشرات الأطفال والنساء، مما دفع بالمسؤولين في لبنان إلى الطلب إليها إلغاء قدومها إلى بيروت، لأن أحداً لن يجرؤ على استقبالها؟!
… ولأنها حرب أميركية فهي قد استمرت، في لبنان، بوسائل أخرى: إذ صار التركيز على زيادة الانشقاق داخل السلطة، مما أدى إلى خروج أهل الانتصار من الحكومة، تمهيداً لأن تبدأ على المنتصرين حملة شعواء لم تتعفف عن استخدام أي سلاح، بما في ذلك الطائفية والمذهبية، لتشويه الانتصار وتسخيفه، وتقديم الصراع على السلطة عليه بعد إلباسها رداءً طائفياً يستنفر تجار المذهبية في المنطقة عموماً ضد مبدأ المقاومة، دون تخوّف من أن يؤخذوا بشبهة مناصرة العدو الإسرائيلي…
ولولا هذا الحَوَل السياسي لما كانت الأزمة في لبنان قد استمرت طوال هذا الوقت، ولما كانت الحلول قد تعقدت، ولما كان الشارع يعيش حالة الاحتقان التي تسببت وسوف تتسبب في تفجرات دموية تصيب الجيش بقدر ما تصيب جمهور المقاومة الذي يحفظ للجيش وقيادته التقدير العالي لموقفه من الحرب الإسرائيلية، لا سيما أنه قد دفع عشرات الشهداء فيها.
في أي حال، فلن تتأخر ردود الفعل على هذا التقرير الإسرائيلي، طويلاً،
وهي لن تكون إسرائيلية فحسب، بل ستكون ثمة ردود فعل عربية بالتأكيد، ربما تأخرت عن موعدها، وربما جاءتها مع هذا التقرير اللحظة المناسبة لرفع الصوت بالموقف الصحيح الذي تعذر إعلانه من قبل.

Exit mobile version