طلال سلمان

»قراءة اسرائيلية« انتفاضة في قلب عجز عربي

1 { خاطرة يستدعيها تقارب التواريخ واختلاف الأزمنة بما أعطى للأيام العربية طعم الدم:
اليوم، تدخل الانتفاضة (الثانية) في فلسطين سنتها الرابعة، وهي تكاد تكون »وحيدة« في عيدها، ينكرها الأهل إلا عامتهم، ويبتعد عنها المناصرون بأضعف الإيمان حتى لا تلحق بهم لعنة »الإرهاب« التي تستولدها أحلام التحرير والديموقراطية والتقدم وتجعلها بعض ملامح البشرة السمراء للإنسان العربي (والمسلم عموما)…
… بينما تهل علينا الذكرى الثلاثون لحرب تشرين (العبور) المجيدة، التي اغتيلت من قبل أن تكمل إنجازها، فصارت ذريعة للخروج من الميدان، ولو بالصلح المنفرد الذي لا يعني غير التخلي عن القضية الجامعة ووأد الآمال بالتحرير الذي لا عنوان له غير فلسطين، أي غير هزيمة المشروع الامبراطوري الإسرائيلي فوق أرضنا.
والربط بين المناسبتين ليس متعسفا، بل هو أقرب الى قراءة النتائج بالعودة الى المقدمات وإلى السياق الذي ضاع من أهل القضية أو انهم تاهوا عنه فما استفاقوا إلا وقد ضاع العراق، وجاء الاحتلال العسكري الأميركي مباشرا حتى القتل ليهيمن على الأرض العربية جميعا، بملايينها المشلولة بمصادرة حقها في الرأي وفي العمل، وثرواتها الهائلة التي لم تكن في أي حال لأهلها، وعلى حاضر العجز العربي، وليتحكم بمستقبل تخلى عنه أصحابه واستكانوا لا يطلبون غير الأمان للعروش ولو فوق أجداث الأوطان.
***
2 { أرقام إسرائيلية بالأحمر، واستنتاجات إسرائيلية في السياسة:
خلال السنوات الثلاث من عمر الانتفاضة سقط من شعب فلسطين 2715 شهيدا، بينهم /205/ من المجاهدين اغتيلوا اغتيالا، و268 طفلا تحت سن 16 سنة، و64 شيخا فوق الستين من أعمارهم، و97 من المرضى قضوا نحبهم عند الحواجز ولم يتمكنوا من الوصول الى المستشفيات، و31 حالة وفاة في سياق ما صار معروفا بتسمية »ولادات على الحواجز«.
أما الجرحى الفلسطينيون فقد بلغ عددهم 302,37!
بالمقابل سقط للإسرائيليين 863 قتيلا بينهم 606 من »المدنيين«، (و»المستعمرون« في نظر تل أبيب من »المدنيين«)، و256 من »قوات الأمن«، أما الجرحى من الإسرائيليين فقد بلغوا بمجموعهم 5877 جريحا.
ومع أن بيوت الفلسطينيين لا تدرج في خانة الشهداء، فمن الضروري الإشارة الى أن 53 ألف منزل قد تضررت، في حين أن حوالى أربعة آلاف منزل هدمت بالكامل وصار أهلها (اللاجئون أصلا بأكثريتهم الساحقة) في عراء البرد وافتقاد النصير!
ويخلص بعض الكتاب الإسرائيليين الى الاستنتاجات التالية:
؟ »ذاكرتنا عمودية، تشق الطبقات والأزمان، وبذلك لا يختفي شيء، وكل شيء يختلط بكل شيء غي باخور، كاتب ومستشرق«.
؟ »حتى الدولة الوحيدة الأعظم في العالم تعاني من قصور القوة، وعليها أحيانا أن تغير سياستها وتبتلع غطرسة الأمن وغروره…
».. وإسرائيل تندفع الى أقصى التطرف العنصري الدموي ألوف بن جريدة هآرتس«.
؟ »حزب العمل (الإسرائيلي) غارق في حرب الخلافة، بينما لن يتبقى منه ما تمكن وراثته بعد قليل… واليسار في هوة يقع في قعرها ما تبقى من حركة ميريتس وبقايا بيلين..
»ووزير مثل بني الون يخاف من السلام أكثر من خوفه من الحرب..
»وحطام خريطة الطريق ملقى تحت أقدام الفلسطينيين يوسف (تومي) ليبيد معاريف«.
؟ في استطلاع للرأي أجرته جريدة »يديعوت داحف« في 26/9/2003، قال 73$ من الإسرائيليين إنه ليس من المضمون أن يكون للجيل الشاب مستقبل أفضل، وقال 43$ إن وضع الدولة يبعث على الأسى. وقال 18$ فقط إن وضعها مشجع في حين قال 39$ إن وضعها لا هو مشجع ولا هو يبعث على الأسى. وقال 56$ من الإسرائيليين إن شارون جيد كرئيس للوزراء، في حين قال 44$ إنه غير جيد، واعتبره 50$ موثوقا«.
أما الانتفاضة فقد رأى 43$ أنها لن تتغير وقال 24$ إنها ستتعزز، في حين قال 8$ فقط إنها ستنتهي، و17$ إنها ستضعف.
هذه أمثلة فقط تدل على الحالة المعنوية عند »العدو« الجبّار في مواجهة الانتفاضة في فلسطين المهشمة بل التي تكاد تدمر أمام عيون العالم، لأن إسرائيل كما يقول بعض المحللين فيها »وقعت كما في 1973 أسيرة
الإفراط في تقدير القوة العسكرية..«، وهم يصلون الى استنتاجات محددة منها أن: »نظرية 2003 ترتكز على الاقتناع العميق بأن الولايات المتحدة تنوي تغيير الأوضاع في المنطقة بالقوة.. وأنها ستضفي الشرعية على جهود إسرائيل القائمة على القوة في الضفة الغربية وغزة بروحية أعمالها في العراق، لا سيما ان الاتصالات قوية ومستمرة بين المسؤولين الإسرائيليين والمحافظين الجدد الأميركيين، وهم قد أيدوا شارون بحماسة ووعدوه بمزيد من الدعم بعد تأمين احتلالهم للعراق«.
3 يأتيك الأمل من الدم الفلسطيني الذي تتوضأ به الأرض المقدسة كل صباح: اعتراف العدو بفشل سياسة القتل والتدمير المنهجي والاغتيال بالحوامات أو بطائرات الاف 16، والرعب الذي يحاولون به تبرير جدار الفصل العنصري ومصادرة الأراضي لبناء المزيد من المستعمرات الاستيطانية، ومحاولة نقل المشكلة الى المعسكر الفلسطيني، بالاتكاء على الأوهام التي نثرتها وما تزال تنثرها الإدارة الأميركية لشق الصف الفلسطيني، داخل »السلطة« وخارجها، ومحاولة ايصاله إلى الاقتتال بين »الحكومة المسالمة« والرئاسة المساومة« وبينهما جماعات التطرف المسلح والإرهاب بالدين!
وتلح علينا أسئلة ساذجة تفرضها التداعيات المنطقية لمسار الأحداث، بينها:
÷ أ إذا كانت إسرائيل حكومة ومعارضة وجيشاً (حتى لا ننسى الطيارين الرافضين للاستمرار في قصف مخيمات البؤس وأسر اللاجئين في بيوت الصفيح) مأزومة الى هذا الحد، تشكو من الركود الاقتصادي ومن الهجرة المعاكسة ومن افتقاد الأمن والأمان، ومن اهتزاز ثقتها بمستقبلها، ومن اليأس الذي يتحكم بأجيالها الشابة، ومن تهافت أحزابها السياسية (سواء من في الحكم أو من في المعارضة)
إذا كانت إسرائيل تعترف بأنها عاجزة عن وقف الانتفاضة التي توقفت عنها كل أسباب الاحتضان والدعم والحماية السياسية، وتركها أهلها العرب لمصيرها
… فلماذا يتزايد الخوف الرسمي العربي من إسرائيل ولا ينقص؟ ولماذا تتوالى التنازلات المجانية عن الحقوق الطبيعية لشعب فلسطين في أرضه، وللشعوب العربية الأخرى في الحرية والكرامة، بينما شعب فلسطين الذي بات وحيداً، ليس له من سلاح إلا دمه، يواصل صموده ويستمر في انتفاضته باعتبارها الممر الاجباري لحماية وجوده وهويته؟!
÷ ب وإذا كانت الإدارة الأميركية قد بدأت تعترف بخطورة تورطها في العراق، وبدأت الأصوات الغاضبة ترتفع داخل البيوت الأميركية مطالبة بعودة جنود الاحتلال الى أسرهم أحياء، وقبل أن تتزايد أعداد العائدين في توابيت، وأخذت تساوم الحلفاء السابقين في »أوروبا القديمة« وفي »روسيا الجديدة« المهيضة الجناح، لمساعدتها (ولو بالمشاركة المحدودة في الأرباح!!) في تحمل العبء.
… فلماذا يتعاظم الرعب العربي الرسمي الى حد الفضيحة المجلجلة في قلب الأمم المتحدة فضلاً عن الغياب المفجع عن العراق والتنصل من أي مسؤولية عن مستقبله وليس فقط عن حاضره.
ولولا الصوت السوري في مجلس الامن (فضلا عن فتح الباب، ولو موارباً، بالمساعدة للعراقيين داخل العراق)، المعزز بالموقف اللبناني، لكان المسلك السياسي العربي الرسمي بمجمله اقرب الى التواطؤ على العراق منه الى الاستسلام امام المطالب الاميركية.
… تماماً كما ان التخلي عن شعب فلسطين الذي يواصل انتفاضته، للسنة الرابعة، وهو محاصر ومجوّع ومقتول ومطارد عالمياً بوصفه يشكل تهديداً للكيان الاسرائيلي (دولة كل يهود العالم)، يداني حدود الخيانة العظمى.
ان الهرب من المواجهة لن يلغيها، بل هو سيجعل الهزيمة اعظم كلفة بما لا يقاس، سواء على صعيد الارض وحقوق اصحابها فيها، ام على صعيد مستقبل الكيانات القائمة ودولها الكرتونية التي يحمي حكامها وجودهم بالاستسلام المسبق ومن قبل ان تُطلق رصاصة واحدة.
ومن الظلم ان تطالب الانتفاضة في فلسطين، المحاصرة والمعزولة والمجوّعة، بتحرير الوطن العربي كله… بل انه تبرير مسبق للإدانه المضمرة للانتفاضة بأنها منعت الاستسلام المهين امام اسرائيل في فلسطين وأمام الادارة الاميركية في مجمل انحاء الوطن العربي انطلاقاً من العراق.
ان التخلي عن الانتفاضة، كما عن العراق، لن ينقذا مستسلماً واحداً.
وها هي الدروس علنية: فكلما قدمت دول الجزيرة والخليج وهي في منزلة الصديق (الحليف سابقاً) تنازلا جديداً، فوجئت بمطالب اميركية جديدة أقسى وأكثر مساً بالكرامة الشخصية فضلا عن الكرامة الوطنية!
صار التبرع لأي يتيم، والمساعدة التي قد تقدم لمأوى عجزة، جريمة دولية تهدد المستقبل الانساني.
للأيام العربية طعم الدم،
للسياسة العربية مواصفات الخيانة العظمى.
مع ذلك تستمر الانتفاضة المجيدة في فلسطين، ولا يستسلم العراق للاحتلال.

Exit mobile version