طلال سلمان

قد جاء يعتذر

لو أن مصر حاضرة بقدر ما تستحق، و قادرة على ممارسة دورها المحفوظ لها في انتظار أن تعود إليه، لاستقبل اللبنانيون عبارة ارفعوا أيديكم عن لبنان التي أطلقها وزير خارجيتها، أمس، على أنها إيذان بتغيير جذري في السياسة المصرية ارتأت قيادتها أن تعلنه في بيروت وأن تعمّمه انطلاقاً منها..
لو أن مصر في كامل عافيتها لفهم الناس هذه الجملة على أنها موجهة إلى الإدارة الأميركية، التي لا تمل من العبث بلبنان وأهله، ولا يكف سفيرها عن إطلاق التعليمات والتحذيرات والإنذارات إلى اللبنانيين بالويل والثبور…
لكن واقع الأمر أن مصر المتعبة بمشكلاتها الداخلية، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، مع التزايد المقلق في أعداد السكان، ومع الضغوط الأميركية الشديدة التي ضاقت بها القيادة الصبورة فانفجرت غضباً أكثر من مرة، ثم اضطرت إلى ابتلاع اعتراضاتها، فضلاً عن تقصّد إسرائيل إذلال هذه الدولة العربية الكبرى وإظهارها عاجزة عن المواجهة ومضطرة إلى استقبال من لا يستحق أن يطأ أرضها..
واقع الأمر أن مصر التي تعيش مسلسلاً لا ينتهي من الأزمات والمتفجرات، سياسياً مع المعارضات المتنوعة الشعار، وفيها الإسلامي والعروبي والوطني والكياني، والتي يمكن اعتبار الأزمة مع الصحافة عنواناً نافراً لها، خصوصاً وقد دلّ على ضيق صدر السلطة بالنقد الذي سمحت به اضطراراً وتلبية لمطلب أميركي صريح..
واقع الأمر أن مصر المنهكة إلى حد افتقاد القدرة على ممارسة دورها المعطّل، والذي لا تقدر دولة أخرى على لعبه بالكفاءة المطلوبة، قد جاءت إلى بيروت بلا خطة، وبلا قرار واضح يملك قوة الدعم الكافية ليكون مشروع حل للأزمة المعقدة في لبنان والتي تستبطن دولاً عظمى بعيدة، لكن أذرعتها طويلة، ودولاً قادرة قريبة، وقرارات همايونية تحمل تواقيع مجلس الأمن ولا تؤدي إلا إلى التعجيل في تفجير التوازنات الهشة التي يقوم عليها هذا الكيان ونظامه الفريد..
واقع الأمر أن كل من التقاه الوزير أحمد أبو الغيط كان يتوقع أن يسمع منه غير ما سمع… فالمواعظ والنصائح والتمنيات لم تعد تنفع، في هذه الأيام التي تقترب فيها الأزمة الداخلية المعقدة بجوانبها الدولية والعربية فضلاً عن المحلية من الذرى الخطرة.
واقع الأمر أن شعار ارفعوا أيديكم عن لبنان لم ينفع في حماية لبنان حين أطلقه أنور السادات، وهو يبدأ رحلة الصلح المنفرد مع العدو الإسرائيلي، ولا هو ينفع اليوم، بالتأكيد، وبينما آثار الحرب الإسرائيلية على لبنان، في العام الماضي، ما تزال واضحة في النفوس وفي المدن والقرى والضواحي وفي أسباب العمران وبينها الجسور التي اجتاز الوزير أبو الغيط العديد منها في جولته الفولكلورية على المرجعيات اللبنانية، وما أكثرها… وهي قد استقبلته بلفهة ثم ودعته بإشفاق بل بحزن من يفتقد عزيزاً غيّبه العجز عن الحضور.
مع ذلك شكراً للوزير الذي جاءنا ناصحاً ومؤاسياً ومتعاطفاً.. ولأنه قد جاء يعتذر فلن نسأله ما الخبرُ ..
وستظل مصر بالقلب ولن نرفعها بأيدينا منه… ولكننا سنظل نقول بلسان سيدتنا أم كلثوم: أنا في انتظارك.. .

Exit mobile version