طلال سلمان

قدس ولبنان شهادة

من زمان عرفت فلسطين ان هويتها دمها، وانها لا تستطيع تأكيد عروبتها، حقيقتها، تاريخها، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، الا بأجيال من شهدائها يعلون رايتها فوق الاحتلال ويبقونها أقوى منه وأثبت في أرضها.
القداسة للدم المراق لحفظ تراث الأنبياء.
أهلها يعطونها القداسة. يحيطونها بغلالة من أرواحهم لا تقدر على نزعها أو اختراقها أقوى قوى الأرض.
بيتاً بيتاً، دسكرة دسكرة، قرية قرية، مدينة مدينة، كنيسة كنيسة ما بين كنيسة المهد وكنيسة القيامة، ومسجداً مسجداً ما بين الحرم الابراهيمي في الخليل والقبة المشرفة والمسجد الأقصى ومسجد عمر بن الخطاب في القدس الشريف… كتب الأهالي جميعاً أسماءهم بدمائهم ليثبتوها بهويتها الأصلية في ذاكرة العالم.
ولعلنا في لبنان اليوم، وبعدما استعاد أرضه بدماء أبنائه، بيتاً بيتاً وشجرة شجرة، تلة تلة ووادياً وادياً، نعرف هذه الحقيقة عن العدو الاسرائيلي: انه أقوى بسلاحه من/ وعلى مجموع العرب، لكنه أضعف من ان يواجه الدم المقاوم، وأجبن من أن يتصدى لمن يطلب الشهادة مبتسماً لثقته بأنه انما يبقى في أرضه بينما »الآخر« عابر في زمن عابر..
ولعلنا في لبنان اليوم نعرف، وأكثر من أي يوم مضى، ان المقاومة هي الطريق الى الحرية والى حماية الهوية، والى حماية الدين ذاته…
… ونعرف بالمقابل ان الطائفية تفرق ولا تجمع، وتضيِّع الدين والأرض، وتزور الهوية والانتماء،
لقد تبدى لبنان في لحظة انتصاره أقوى الأقوياء: فعدوه يجلو عن أرضه مرغماً، ومهزوماً، وبأعذار لا تفعل غير تأكيد هزيمته،
واستطاع لبنان ان يحقق تلك المعجزة بروح المقاومة، متجاوزاً كل اثقال أزمته الاقتصادية الخانقة، ومتصدياً بوحدته الوطنية لمحاولة بث الفرقة الطائفية (والتي غالباً ما تحمل بصمات العدو الاسرائيلي، لأنه المستفيد الأول منها، حتى لو تبرأ منه مختلف أطرافها الضالعين فيها، مسلمين كانوا أم مسيحيين).
خمسة شهداء جدد ومائتا جريح؟!
فلسطين ولادة، وهي قد انجبت عشرات الألوف من الشهداء ولسوف تنجب المزيد،
لسوف يرتفع سور من الشهداء، ولسوف تنفتح خنادق من الدم، لحماية القدس جميعاً، بكنائسها ومساجدها، باحيائها جميعاً، فالحرم القدسي الشريف عنوان لفلسطين، للعرب جميعاً، للمؤمنين جميعاً، مسلمين ومسيحيين…
وليس ارييل شارون، السفاح في فلسطين كما في لبنان، هو الرمز الناصع للتدين اليهودي في فلسطين التي ستبقى فلسطين برغم الهزيمة في الميدان والصفقات في الظلام والضغوط الأميركية والتخاذل العربي.
وسيكون على ايهود باراك بعد اليوم ان يتفاوض مع الشهداء،
وستكون أية وثيقة يوقع عليها عرفات استجابة لتمني الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بيل كلينتون، مكتوبة بالدماء.
وستحمي فلسطين مستقبلها، مرة أخرى، بدمها.

Exit mobile version