طلال سلمان

قداس وجناز ذكرى خمسين

كان لا بد لحفل التأبين من أن يجيء حاشدد، مهيبد وفخمد بحيث يليق بمكانة الفقيد الكبير ودوره التاريخي العظيم الذي يتلاشى ويكاد يختفي تمامد، من دون بديل ولو كاحتمال.
أمس، في نيويورك، ووسط مراسم جنائزية محروسة جيدد، تمّ تشييع الأمم المتحدة إلى مثواها الأخير… في بعض دوائر وزارة الخارجية الأميركية بواشنطن.
ولأنها فرصة «مشروعة» للقاء المصادفة المقصودة مع «الرئيس الكوني» فقد تقاطر الملوك والرؤساء أو رؤساء الحكومات من أربع رياح الأرض ليظهروا في الصورة التذكارية مع بيل كلينتون و«جمهرة عماله على الأقاليم».
هي لحظة قاسية أن يشهد على الاعلان الرسمي بوفاة المنظمة الأممية أولئـك الذين يحمـل معظمهم شهادات ميلاد صادرة عنها،
لكن الضرورات تبيح المحظورات، والأمل أن يتكرّم «المالك الجديد» أو «الملك الجديد» فيقرهم على عروشهم ويغفر لهم سيئاتهم ويسخو عليهم بالجعالة والعطايا، ولو على شكل قروض يشطبها بكرمه، بعد حين، كما جرى للمليك الهاشمي..
ü ü ü
منذ سنوات، ومع تراجع حركة الشعوب، وانطفاء جذوة الثورات والحركات العاملة للتغيير، وتزايد هيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي، فقدت الامم المتحدة هويتها ودورها الـذي كـان قـد اكتسب وهـجد استثنائيد في الستينيات وحـتى بدايـة الثمانينيات.
فالمنظمة التي ولـدت كثمـرة لانتهاء زمـن الحروب العالمية بانطفاء نيران الحرب الكونية الثانية انتهت مع انتفاء الاطراف القادرة على مواصلة الصراع من داخل اطار الحرب الباردة وضمن قانون توازن الرعب الذي فرضه شبح الدمار الذري او النووي.
لقد سقط القطب الثاني، مسقطد معه احتمالات قيام قطب ثالث فرابع الخ… ومع قطب اوحد لا حاجة الى منظمة يكبر فيها الصغار بتضامنهم ويصغر فيها الكبار بصراعاتهم التي تعطي هامشد اوسع لهؤلاء المغامرين الذين كانوا ثوارد ومناضلين وقادة للفكر والحركة ومثالاً اعلى للشباب في العالم كله، والذين يدانون الآن ـ علند ومن فوق اعلى منبر اممي ـ بالارهاب.
وهكذا انتظم «الارهابيون السابقون» صفوفد، وجلسوا مؤدبين في منزلهم العائلي الآيل الى السقوط يستمعون الى «وصايا» ذلك الصبي الاميركي الوسيم والذي كاد ينضم الى صفوفهم ذات يوم، بتأثير وهج الثورة الفيتنامية، وأبرزها ان يلعنوا تاريخهم، وان ينكروا لون عيونهم وان يئدوا ابناءهم حتى لا يصيروا ارهابيي المستقبل.
الارهاب، الارهاب، الارهاب،
.. والمنظمة التي صوتت بالاجماع تقريبد بأن الصهيونية حركة عنصرية، والتي كانت الاكثرية الساحقة من «ابنائها» تخرج من القاعة متى اعتلى المنصة مسؤول اسرائيلي، لا تني تلحس قراراتها وتواقيعها على كل ما يمكن ان يمس سمعة الصهاينة، وتقلب الآية لتوكيدها فتقر انهم عنصر مميز وممتاز، وله بالتالي حقوق «شعب الله المختار» انطلاقا من فلسطين وعلى مستوى العالم كله!
ويقف المليك الهاشمي ليزكي هذا الامتياز الصهيوني مبشرا الاسرة الدولية بأن الطيارين الاردنيين والاسرائيليين ينفذون الآن معا تشكيلات قتالية ينسبها لتحية ذكرى «الشهداء»، ولكن سامعية يلتفتون مفتشين عن اهداف هؤلاء الطيارين غير الاحتفالية،
بالمقابل يستعد الكونغرس الاميركي لاعلان قراره بنقل السفارة الاميركي الى القدس المحتلة مؤكدا الاعتراف بها كعاصمة موحدة وأبدية لاسرائيل، وما هم المتبرع بأرض غيره وحقوق غيره ومصير غيره من شعوب الأرض المستضعفة.. بقياداتها، اولا؟!
ü ü ü
في بيان النعي اشارة الى ديون المنظمة الفقيدة التي تتجاوز الثلاثة مليارات دولار، يتوجب نصفها تقريبا على مضيفها الاميركي!
ولا ذكر في قائمة الديون طبعا لاحلام اولئك المؤسسين الذين رأوا في قيام الامم المتحدة لحظة تاريخية عظيمة للاعتراف بالانسان.
فالانسان، اليوم، هو الارهاب.
و«محظر على أية دولة تقديم ملاذ للارهابيين».
اما المشروع فهو اقامة حلف لمكافحة الارهاب بين رائدة الديموقراطية في العالم الجديد وكل دكتاتوريات العالم القديم والمتوسط والبين بين… ولعله البديل عن المنظمة التي شيعت امس في نيويورك، وان استبقيت شعاراتها واعلامها الزرقاء وقوات الطوارئ التي انشأتها لتمويه الارهاب الجديد الآتي باسم «النظام العالمي الجديد لصاحبه الولايات المتحدة الاميركية.

Exit mobile version