طلال سلمان

قتلة رفيق حريري كخونة بنان ومعة سوريا

ليت الرئيس السوري بشار الأسد أعلن، قبل ثمانية شهور، موقفاً قاطعاً في وضوحه حول جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومَن قد يكون المسؤول عنها أو المتورط فيها.
لقد ساوى الرئيس السوري بين التورط في هذه الجريمة النكراء وبين الخيانة العظمى، مقرراً أن المتهمين بالتورط »يجب أن يعاقبوا بواسطة محكمة دولية، فإذا لم يعاقبوا دولياً فسوف يعاقبون في سوريا«.
لو أن الرئيس الأسد أعلن مثل هذا الموقف القاطع في وضوحه، في حينه، لكان وفّر على سوريا ولبنان الكثير من الأثقال النفسية والريبة والشكوك التي استولدت أحقاداً سوداء ستترك آثارها المكلفة على العلاقات بين الدولتين اللتين كانتا قريبتين من التكامل وصارتا على حافة العداء المطلق والقطيعة التي نزلت إلى العلاقة بين الشعبين الشقيقين فسمّمتها، ولسوف تحتاج إلى جهود جبارة وزمن طويل لترميمها وإعادتها إلى سويتها.
ومع أن الشهادة لرفيق الحريري تجيء متأخرة عن موعدها الطبيعي فإن صدورها عن الرئيس السوري بشار الأسد، بالذات، أمر يستحق التسجيل: »يقولون إن السوريين هددوه ثم قتلوه. لماذا نقتله إذا قام بما أرادته سوريا. لم يقم رفيق الحريري بأي عمل ضد سوريا. لقد ساعد سوريا على تحقيق التمديد، فلماذا إلحاق الأذى به أو قتله؟«.
يعرف اللبنانيون (والسوريون) بطبيعة الحال أن رفيق الحريري قد عاش حتى يومه الأخير مؤمناً بالعلاقة التكاملية التي تربط لبنان بسوريا، وأنه قد عانى الأمرين وهو يجاهد لحماية هذه العلاقة المميزة من خصومها في السلطتين اللبنانية والسورية.
ولا بد من التسجيل للرئيس الأسد شجاعته في القول إنه إذا ما اتهم مسؤولون سوريون في التورط في جريمة الاغتيال »فلسوف يعاقبون بواسطة محكمة دولية أو غيرها… وإذا لم يعاقبوا دولياً فإن سوريا سوف تعاقبهم«!
لم يكن اللبنانيون (والسوريون) يطلبون أكثر من كشف الحقيقة تمهيداً لمحاسبة المجرمين الذين شاركوا في التخطيط وفي التحريض ثم في تنفيذ هذه الجريمة المهولة التي قضت على رجل الدولة الأخطر في تاريخ لبنان الحديث والصديق الأكبر لسوريا بين سياسيي لبنان، والذي كان يكلف نفسه بمهام »وزير خارجية حافظ الأسد« على الصعيد الدولي وحيثما لا تستطيع دمشق أن تصل أو أن تقول فيُسمع رأيها.
وهم اليوم ما زالوا يلحون في طلب هذه الحقيقة، ليس لأنهم يريدون الثأر أو الانتقام، بل لأنهم قبل ذلك وبعده يريدون أن يكون لهم وطن، وأن تكون لوطنهم دولة، وهم هم ضمانة عروبتها وضمانة التزامها بهويتها، ومن ضمن هذه الهوية وكذلك المصالح العليا للدولة (والشعب) العلاقات الأخوية المفتوحة على مداها مع سوريا، دولة وشعباً… ولأنهم كانوا يعتبرون الرئيس الشهيد بين ركائز هذا الطموح إلى الدولة العتيدة وبين ضمانات عروبة الوطن الصغير خصوصاً أنه المؤمن، أعظم الإيمان، بأن سوريا هي حصن الأمان ومصدر الاطمئنان إلى صلابة وحدته الداخلية وسلمه الأهلي.
كنا نتمنى لو أن هذا الكلام المسؤول قد حكم تصرف القيادة السورية منذ لحظة الانفجار الرهيب الذي قضى مع رفيق الحريري ورفاقه على الكثير من الآمال والأحلام وروابط الأخوة، وفتح الباب على مصراعيه أمام التدخل الدولي وأمام الضغوط والإغراءات التي تدفع في اتجاه الفتنة داخلياً، وفي اتجاه إدامة جو الخصومة بين لبنان وسوريا إلى حد تكليف الجيش بالانتشار على طول الحدود (شرقاً وشمالاً بدل الجنوب) لمنع »التسلل« وسائر المخاطر التي تجيء إلى لبنان من حيث كان يتوقع الخير والأمان والتعاون البناء من أجل مستقبل أفضل للشعبين الشقيقين.
في أي حال، فلسوف يكون هذا الموقف القاطع في وضوحه أمام اللبنانيين (والعالم) حين تنشر لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تقريرها الذي قد يشكل نقطة البداية لعلاقات مختلفة بين لبنان وسوريا في مرحلة ما بعد الجريمة وما بعد تحديد المسؤوليات ومحاسبة المسؤولين عنها والمشاركين فيها تخطيطاً وتنفيذاً.
ويتمنى اللبنانيون، من أعماق قلوبهم، أن تأتي الحقيقة مصداقاً لما أعلنه الرئيس بشار الأسد في حديثه إلى المحطة الأميركية (سي. ان. ان)، وأن يحاسب المجرمون باعتبارهم خونة للبلدين الشقيقين لبنان وسوريا معاً.

Exit mobile version