طلال سلمان

قبل قذيفة ثالثة

لا تكفي قذيفتان إسرائيليتان سقطتا بالعمد، على الأرجح، أو بالخطأ كما ادعت تل أبيب، في خراج بلدة شبعا، وعلى مقربة من »الخط الأزرق« الذي أبقى مزارع شبعا تحت الاحتلال، لاستدراج رد فعل عصبي أو استعراضي يذهب ببعض وهج النصر الذي حققه لبنان المقاوم بإجلاء المحتل.
لكنه قد تكون للقذيفتين ثالثة ورابعة، ويفترض أن مثل هذا الأمر ملحوظ في حسابات الدولة كما في حسابات »حزب الله« الذي لم تحن ساعة إحالته إلى التقاعد، كما يرغب الواهمون والمفترضون أن الجلاء العسكري هو »السلام« ونهاية الصراع الذي ما زالت إسرائيل تتحكّم بمجرياته حتى الساعة.
وفي انتظار القذيفة الثالثة أو الرابعة قد يفيد التنبّه إلى أن إسرائيل سوف تعمد بدافع من الرغبة في شطب »حزب الله« من المعادلة السياسية إلى استدراج المقاومة الى فخ صغير لكن السقوط فيه يؤدي إلى نتائج خطيرة بينها أن تذهب النشوة بالنصر، وأن يتجه اللبنانيون المتعبون بل المرهقون بأعباء المواجهة على امتداد عقدين أو يزيد إلى لوم المقاومة بدلاً من احتضانها، وإلى تحميلها مسؤولية ما قد يحل بهم من خسائر جديدة بدل أن تظل المسؤولية محصورة بالعدو الإسرائيلي وحده.
إن إسرائيل، يزعجها إلى أقصى حد، أن يحفظ »حزب الله« رصيده السياسي وسلاحه، وأن يبقى حارساً للأرض الوطنية بغير أن يستدرج إلى مغامرات عسكرية لن تعدل في ميزان القوى ولن تقرّب يوم النصر في فلسطين ولا في قدسها إلا بمقدار ما يتحرك شعبها لإنجاز مهمته المقدسة هذه.
وهي لن تكف عن استفزاز »حزب الله« واستعداء أهله عليه، حكومة وشعبا، بإظهاره مصدراً للخطر وليس سبباً مباشراً في سلامتهم، مواطنين ومنشآت ومرافق عامة.
وفرق بين الدعوة إلى تسريح المجاهدين وإحالتهم إلى التقاعد المبكر بحجة أنهم قد أدوا قسطهم للعلى، وبين التنبّه إلى الأفخاخ الإسرائيلية، ف»حزب الله« حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي للبنان وليس حركة لتحرير فلسطين لا سيما في غياب الفلسطينيين… ثم إن تأثيره بالقدوة وليس بالسلاح، وبالروح المعنوية العالية والتي جعلت انتصار الدم على السيف ممكنا، وليس بجيوشه وأساطيله الجوية والبحرية المتفوقة على الترسانة الإسرائيلية الأقوى في المنطقة.
وتبقى ملحوظة أخيرة: ربما كان القصد الإسرائيلي استغلال »الحمى« الانتخابية لإحراج »حزب الله« وإخراجه، علماً بأن »الحمى« وهمية خصوصا أن النتائج المعلنة سلفا لهذه الانتخابات لن تتأثر بقذيفة أو حتى بحرب… بل ان النصر بالمقاومة على الاحتلال قد مرّ خارج مدار الانتخابات تماماً فلم يعدل حرفاً في ما كان قد كُتب.
على أنه وفي جميع الحالات يمكن الجزم بأن الإسرائيليين عديمو الذوق!
فهم لم يراعوا »حرمة الانتخابات«، وانهماك الحكومة في معارك الأصوات والأشباح والتلفزيونات والحملات الاعلامية والمال السياسي، فجاؤوا يزيدون من همومها الثقيلة ويحاولون إشغالها عن إنتاج »الديموقراطية المرة« التي تكاد تكون امتيازاً لبنانياً فريداً يشكل إضافة ممتازة إلى جهد لبنان في إنتاج حقوق الإنسان.

Exit mobile version