طلال سلمان

قاوم كورونا..وانتصر لأهلك!

ما أضيق العالم على اتساعه، وما أضعف الانسان على جبروته: إن جرثومة لا ترى بالعين المجردة تتوغل الآن في جسد البشرية جميعاً، ناشرة الوباء، بل الموت في أربع رياح الدنيا.

يتساقط الضحايا في أغنى البلاد كما في أفقرها. تُسقط سور الصين العظيم، وترقى ناطحات السحاب في نيويورك، تتجاوز الربع الخالي إلى جدة والرياض، تقتحم السور العتيق في الكويت، تعيد تقطيع دولة الامارات إلى مشيخات يستذكر اهلها ايام الجراد، ترقى الاهرامات وتطل على القاهرة كشبح مرعب، تجتاح العراق وكأنها جيش الاحتلال الاميركي، تسقط الحدود في الاردن فيخاف ملكه الهاشمي على تاجه ولا يعرف من أين يطلب النجدة. يتهاوى جبروت الاحتلال الاسرائيلي وتتبدى غزة هاشم أقوى في دولة بني صهيون وامنع من احتلاله، تصل إلى بيروت فتفرغ الشوارع بفنادقها ومطاعمها ودور اللهو.

ما أضعف الانسان. ما أضعف الدول التي بنتها القوة وتطوير اسلحة القتل الجماعي. ما أقسى شعورك بأنك قد عدت وحيداً، رفاقك لا يجرأون على القدوم اليك وانت تخاف منهم عليك، وتخاف عليهم منك.

البيوت زنازين متجاورة والزيارات ممنوعة. العمارات مكتومة الانفاس مثل قاطنيها، إن انت تحركت في الشارع ولمحوك من نوافذهم المغلقة خافوا منك لا عليك، واتهموك في عقلك.

الشوارع فارغة. هل يتسع الخوف لكل هذه المليارات من البشر.. وهل هو عميق إلى هذا الحد، بحيث يكتم خوفهم ويسكت اصواتهم التي كانت تنطلق غناء شجياً ومعه تأوهات الوجد والشوق إلى من يضنيك غيابه.

وحده صمت الخوف يملأ الشوارع.

لأول مرة تكتشف أن لصمت الخوف صوتاً، وهو مدوٍ يملأ بصداه صمت الشوارع.

تعبر بسيارتك الطرقات الفارغة، تخاف منك القلة العابرة من البشر، وتخاف انت من الخوف الذي يطل من عيونهم فيحترق الصمت المهيمن على مجال الرؤية.

تسمع صوت الصمت فتخاف، حتى إذا دوى في اذنيك انين محرك السيارة يعود اليك اطمئنانك. لا أحد يتبعك. لا أحد يريد بك شراً. الشر مشغول بغيرك الآن. الطرقات لكورونا! يتمختر الوباء في الشوارع الفارغة متحديا غرور الانسان الذي لا يفتأ يدعي انه اقوى من يقهر الا بالموت… ولكنه ينسى أن للموت طرقاً واسباباً لا حصر لها، وان بين هذه الاسباب ما يختزنه جسده.


لا أحد امامك. الشارع والساحات والافق كلها لك. وانت المخيف الآن بهدير سيارتك وتجوال عينيك في الفضاء.. فارفع صوتك بالغناء لتهدئ خوفك. انس الطرب الآن. اسمع غير تسلل الكورونا في الفضاء!

يرتعد العالم في ظل الخوف. يقبع الناس في بيوتهم خائفين: إن خرجوا لأمر طارئ دققوا في الفراغ المليء بأشباح يسبغون عليها الاشكال والصفات والاسماء ليقهروا الخوف منها. يستذكرون ما يحفظون من الشعر، ثم يلجأون إلى الآيات البينات قبل أن يفتشوا في الراديو والتلفزيون عما قد يؤنسهم فلا يسمعون الا الكلام عن كورونا التي صارت “اللازمة” في كل حديث، وفي كل تخيل، ومصدراً لكوابيس لا تنتهي.

قال لي صديقي: تنتصر على الخوف بأن تنساه. عندئذ يغادرك إلى غير رجعة. ولكن صاحبي نسي أن يرشدنا إلى طريق الخلاص من الخوف.. خصوصاً وان الخوف يتقطر من السقف، ينبع من الجدران، يأتيك من الآخرين. يذهب منك إلى الآخرين. يملأ الشوارع والطرقات. يحتل الشرفات والسطوح. تحسه يراقبك من علٍ، يحصي عليك أنفاسك. أن خفت زاد انتشاره من حولك. وان انت ادعيت الشجاعة جاءك من حيث لا تحتسب: من الجدران، من السقف، من نوافذ التأمل في البيت، من العابرين في الشوارع وقد خبأوا خوفهم خلف الكمامات، هل ثمة أكثر من الكمامات كمصدر الخوف.

معنى الكمامة أن الانسان الآخر، صديقاً او غريباً، يخاف منك، وأنك انت ايضاً تخاف منه.

تتابع ارقام الضحايا على الشاشات، فتهنئ نفسك على أنك لست بينهم، وتهنئها مرة أخرى على أن اسمك ليس بين الاسماء التي غاب اصحابها ولن يعودوا، تاركين اضافة سخيفة إلى ارقام ضحايا هذا الوباء عابر القارات، الذي يتخطى عتبة ألوان البشرة كما يتخطى المحيطات ويعبر البحار ويرقى قمم الجبال ليملأ الكون بأشباح الرعب.

كتبت بك السلامة. نكتب لننسى الوباء، فاقرأ لتنساه. وتذكر دائماً أنك اقوى منه، وان الانسانية سوف تنتصر عليه. كما انتصرت على اوبئة اشد فتكا، ولكنها جعلت الانسان أعظم منعة وأقوى حصانة.

سلمت لأهلك!

Exit mobile version