طلال سلمان

في يوم الارض: تحية لفلسطين وشعبها المجاهد

يستشهد شباب فلسطين، فتية وصبايا، كل يوم، ومع ذلك تتزايد اعداد الفلسطينيين في شارع المواجهة معترضين جنود الاحتلال بصدورهم ،على مدار الساعة.
كل شهيد يزيد من ثبات فلسطين كقضية حق في الوجدان الانساني.
مع كل صباح، ومع رفع آذان الفجر، وعلى ايقاع اجراس الكنائس يزداد رسوخ فلسطين المقدسة في العقل وفي الضمير، وتفرض نفسها ـ بدماء شهدائها ـ على جدول اعمال الدول والمنظمات الدولية، فضلاً عن الشعوب في العالم اجمع.
للقدس، كما بيت لحم، وغزة كما رام الله، كما نابلس وطولكرم، محطات للمشروع الصهيوني على طريق اجتياح دنيا العرب جميعاً، والتحكم بحياتهم في يومهم كما في غدهم، شعوباً ودولاً من غاز ونفط وطوائف ومذاهب مقتتلة… بينما العدو امامهم، يفرون منه فيتبعهم مطارداً ولا خلاص الا بالمواجهة بكل انواع السلاح: القلم والكتاب، التظاهرة والاعتصام، العمليات الفدائية ولو بالدهس او بسكاكين المطبخ.. والاهم: بالتمسك بالأرض والثبات فيها.
لقد برهن هذا الشعب العظيم عن ارادة صمود لا تفل، وعن قدرة على مواجهة عدوه الوطني ـ القومي والانساني، المحمل بالتراث الاستعماري بعنوان الصهيونية المتحالفة بالضرورة مع الاستعمار وهي ربيبته ومع الإمبريالية وهي اداتها وجيوشها المتقدمة التي امكن زرعها في قلب الوطن العربي..

*****

بالمقابل فان السعي لإخراج مصر من الصراع لم تتوقف، وهي التي سقط آلاف الشهداء من ابنائها، جنوداً وفلاحين وصبية في الاغارات والهجمات عليها، ثم في الحروب ابتداء من حزيران 1967 ثم حرب الاستنزاف، وصولاً إلى حرب تشرين التي اغتيلت دون اهدافها في تشرين الاول ـ رمضان 1973..
أن مقاومة شعب فلسطين للاحتلال الاسرائيلي لم يتوقف، منذ اقامة اول مستوطنة في العشرينات، وحتى هزيمة الجيوش العربية في العام 1948، انتهاء بنجاح العدو في احتلال كامل الارض الفلسطينية في العام 1967… وقد ابتدعت هذه المقاومة اساليبها ومنطلقات هجومها، قبل أن تنتظم صفوفها وتواجه العدو في معركة الكرامة (1968)، ثم تتابع عملياتها الاستشهادية داخل الارض المحتلة، وضد طائراته في الخارج، وحتى بعد أن “طرد” النظام الاردني المقاومة الفلسطينية بعيداً عن الارض المحتلة، وجاء فدائيوها وثم قيادتها إلى لبنان، تابعت عملياتها من منطقة شبعا ومزارعها على الحدود مع فلسطين… ثم احتضنها الشعب اللبناني وعقد لبنان الرسمي اتفاق القاهرة معها برعاية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1969.
ولقد طارد العدو الاسرائيلي المقاومة في لبنان، فهاجم مطار بيروت ودمر الطائرات التي كانت فيه اواخر العام 1968، ثم هاجم بيروت ليل العاشر من نيسان 1973واغتال ثلاثة من قادة المقاومة (ابو يوسف النجار، وكمال عدوان والشاعر المناضل كمال ناصر..) وفي اذار العام 1978 توغلت قوات الاحتلال الاسرائيلي داخل الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني بين صور وصيدا.

.. وجاءت حرب 1973 ببشارة النصر لكن السادات كان عقد اتفاقا مع العدو بوساطة اميركية وخذل شريكته سوريا فتركها وحيدة في الحرب.

*****

في اوائل حزيران 1982 اجتاحت قوات الاحتلال الجنوب كله ومعظم الجبل في لبنان مروراً بالقصر الجمهوري في بعبدا وصولاً إلى العاصمة بيروت وارتكبت سلسلة من المجازر أشهرها مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ذهب ضحيتها أكثر من 1500 شيخ وامرأة وطفل… وأثر سقوط بيروت تم اجلاء قيادة المقاومة الفلسطينية ومقاتليها من لبنان، وتم توزيعهم بين تونس، حيث استقرت القيادة، واقطار عربية بعيدة.
ولقد باشرت المقاومة في لبنان، التي ستعرف بعد ذلك تحت اسم “حزب الله” عملياتها ضد العدو الاسرائيلي، ولسوف تواصل جهادها وتطور مواجهاتها لقواته ببسالة منقطعة النظير حتى اجلائه عن لبنان في 25 ايار 2000.
ولسوف يشن العدو الاسرائيلي حرباً شرسة وشاملة على لبنان امتدت لشهر كامل (من 12 تموز حتى 14 آب 2006)، واستخدم فيها اسلحته جميعاً، الطائرات الحربية والصواريخ والمدرعات والقوات البرية وسلاح البحر.. وقد نجحت المقاومة الاسلامية (حزب الله) في صد هجماته وتدمير دباباته وقتل المئات من جنوده وفي اصابة مدمرة له في عرض البحر قرب سواحل بيروت، وسهر اللبنانيون على وهج نيرانها حتى أرسل العدو مدمراته لسحبها واخراجها من الخدمة.

*****

كان سبق ذلك اتفاق اوسلو بين السلطة الفلسطينية والعدو الاسرائيلي في العام 1991، وبموجبه تم السماح لمقاتلي منظمة التحرير بالعودة إلى فلسطين، حيث تحولوا إلى قوى امن داخلي تابعة للسلطة التي باتت اشبه بحكومة محاصرة في بعض البعض من الضفة الغربية و”بعاصمة” مؤقتة مفتوحة لجنود العدو هي مدينة رام الله.. في حين حرمت القدس على السلطة وشعب فلسطين وظل نصفها اسرائيلياً والنصف الآخر تحت الاحتلال.

*****

…ولقد بدأت بعد ذلك مرحلة جديدة من مراحل الجهاد الفلسطيني لتحرير الارض بالإرادة وبما توفر من السلاح البسيط (سكاكين المطبخ، الخناجر، الدهس بالسيارات، المطاردة بالحجارة..)، في مواجهة اعتى الاسلحة واشرس المستوطنين المستقدمين من اربع رياح الارض.
ولن تسقط قضية فلسطين من ضمير الامة..
ولن يتوقف شعبها عن الجهاد من اجل تحريرها،
ولن تطول “غربة” العرب عنها، لان السرطان الاسرائيلي يتمدد عبر الانظمة العربية المتخاذلة … والصدام حتمي.
و… إذا الشعب اراد الحياة… فلا بد أن يستجيب القدر.
ولا يحتاج المواطن العربي إلى من يذكره بالقضية المقدسة، فهي تسكن وجدانه، ويعرف أن تحرير فلسطين هو عنوان تحقيق احلامه في الوحدة والحرية والغد الافضل.
في يوم الارض: تحية للأرض المقدسة ودماء الشهداء وبطولة الاسرى والفتية وصبايا الورد.

Exit mobile version