..وكيف يموت هذا الذي كان رمزاً لبهجة الحياة، حتى في قلب الصعوبة، بالطائفية ومراكز النفوذ التي تجعلك تترحم على «الإقطاع» بصيغته التقليدية التي تتبدّى الآن أكثر قرباً من الناس من زعامات الإقطاع الجديد المصفّح بالطائفية والمذهبية التي تستولد إقطاعاً عاتياً يصادر الأملاك وأسباب الحياة باسم العدالة الاجتماعية؟!
كيف يموت يونس وقد كان الصديق المعين والرفيق المخلص والخبير الناصح وجامع الشمل بزوجته التي فهمته، فبنت معه عائلة سعيدة بالصبيّة الحساسة التي اقتحمت الجامعة بكفاءتها، والابنين اللذين يخطوان نحو الجامعة بوعي وبفهم مميّز لأهمية النجاح في بناء المستقبل الأفضل؟
كيف يموت هذا الإنسان الرقيق القادر على التغلب على مصاعب النشأة في قلب الفقر، والذي اضطر أن «يربي» ويعلّم إخوته وأخواته الأصغر منه بعد رحيل والده مبكراً براتب معلم، ومع ذلك تابع دراسته الجامعية لتحسين موقعه الوظيفي منتقلاً من التربية إلى العقارية؟ والذي قرر أن يخدم الفقراء وأصحاب الحقوق، متخطياً سور الرشوة ووساطة النافذين؟
كيف يموت هذا الشغوف بالحياة، المحب للناس جميعاً، المتبرّع بخدمة كل ذي حق مجاناً وهو في قلب الدائرة من مركز الرشى؟
كيف تفعل بنا هذا يا يونس، أيها المؤنس في زمن الأحزان، المنجد في ساعات الأزمة المتبرّع بوقته وجهده لحل طلاسم العقاريات بلا رشوة..
محبّ الناس، المقاتل ضد البغض والحسد والطمع، والذي أنشأ مع زوجته الطيّبة عائلة نموذجية كبراها في الجامعة وأخواها في الطريق إليها؟!
كيف تغدر بنا يا يونس ونحن بأمسّ الحاجة إليك وأنت الوحيد القادر على جمع من تفرّق من رفاق النضال والشقاء من أجل التقدم لبناء الغد الأفضل؟
أيها المبتدع مخارج للصعاب.. الموفِّق بين المختلفين، المتغلّب على العناد بالمحبة وعلى الخصومات بروح المصالحة وعلى الكراهية بالإيمان بالإنسان.
يونس… سيصعب علينا قبول غيابك، لأن حضورك كان أحد أجمل صفحات حياتنا.
سنحملك في قلوبنا، في أفكارنا، في حياتنا وقد كنت تشكّل عنواناً لبهجتها وجدارتها بأن نعيشها.
ستكون معنا دائماً أيها الذي كان عالماً بذاته يتسع للجميع ويبث في الجميع الحب والإيمان بأن في الحياة ما يستحق أن نعيش من أجله.
يا ابن الغالي الذي رحل قبل أن ينال حقه من حياته.. لقد تبعته فلم تنل حقك ولم تعطنا حقنا من حياتنا التي كانت معك وبك أحلى وتستحق أن تُعاش.
طلال سلمان