طلال سلمان

في وداع الطيبين..

… وكنت أفترض، سذاجة، أن الطيبة لا تموت، وأن الرجال الأقوياء في الشدائد، والذين يذوبون حناناً، والذين لم يعرفوا الكراهية، يبتعد عنهم الموت، ويتركون ليذوبوا في الأرض التي لولا خشية الاتهام بالشرك لعبدوها مع الله.
لكن محمد خليل سلمان، الذي عاش »أبو علي« بحق حين كانت تفرض عليه الظروف أن يحمل بندقيته ويتزنر بصفي الرصاص، ويخلع العقال ليحيل الكوفية إلى »عقيدية«، ثم يسبق الشباب إلى نجدة من يحتاج إلى نجدة، في جوف الليل وفي أعالي الجرد، أو في قرية تبعد بضعة كيلومترات، لكنه يصلها قبل »الخيالة«.
أبو علي الذي عرف البقاع كله، والجبل كله، وبعض بيروت، وبعض محافظات سوريا، والذي عرفه كل الناس في كل الأمكنة بطيبته المتناهية، بقصوره في مجال التجارة، بشهامته التي كانت تجعله يتخلى عن الربح ويحمل الأثقال إلى عجوز ليس لها من يعينها.
أبو علي الذي كان أول من يلبي النداء عندما يلعلع: »وين راح الرجال«، والذي كنا نتمثله حين يذكر أهل النخوة.
»أبو علي« رحل أمس، بهدوء، بل وهو يكاد يعتذر عن إزعاج الآخرين بخبر وفاته.
وقبل أسبوع كان قد رحل أحد رفاق عمره، وأحد »معالم« شمسطار، وأحد الذين كدحوا في كل أرض حتى أنبتوا »غابة من الرجال«، هو الحاج عوض سلمان…
لقد خسرت شمسطار رجلين كانا من أهل الخير، الذين طالما اعتزوا بأنهم تعبوا كثيراً كثيراً، وعملوا دهوراً، في كل أرض، ليضيفوا إلى رصيد بلدتهم سمعة طيبة، وليكون لهم في أبنائهم مصدر اعتزاز بأن تعبهم لم يذهب هدراً.
في وداع الناس، البسطاء والطيبين، كما أرضهم، يكون الحزن شرعياً.

Exit mobile version