طلال سلمان

في صحافة العدو: المعركة الطويلة والقاسية لتصفية “حماس”

حلمي موسى ـ غزة

صادق وزير الدفاع الإسرائيلي على خطة إخلاء سكان كريات شمونه. وقد بدأت عملية الإخلاء على حساب الدولة لنقل السكان إلى فنادق وبيوت ضيافة.

ومن جهة أخرى يتم أيضا إخلاء لمناطق واسعة من مدينة عسقلان بعد أن تم إخلاء كل مستوطنات غلاف غزة وأقر اعتبار عسقلان مدينة حدودية وزيادة مدى ما يعرف بغلاف غزة ليشمل مناطق وبلدات لم تكن ضمنه.

وهذا يعني عبء اقتصادي هائل على الميزانية الإسرائيلية سيتم تعويضها من أموال المساعدات الأمريكية التي وعد بها بايدن.

وحسب المراسل العسكري لموقع “والا” أمير بوحبوط فإن الجيش يبلغ الصحافيين أن “قواته مستعدة لعملية واسعة يمكنها أن تستمر أسابيع طويلة وربما شهور”. وألمح إلى تراجع الحديث عن العملية البرية حيث يقولون الآن ان الهدف هو الحاق الهزيمة بحماس.

ومن جهة أخرى فقد حيا وزير الحرب يؤاف غالانت جهود سلطة تخزين الأسلحة معتبرا أنها تعد لاحتمالات حرب واسعة على الجبهتين.

وفي هذه الاثناء يدير رئيس الأركان هرتسي هاليفي وقادة الجيش الإسرائيلي حوارات مكثفة مع قادة “السنتكوم” (القيادة المركزية في الجيش الأمريكي) بقيادة الجنرال مايكل كوريلا لإطلاعهم طوال الوقت على مجريات الحرب والتحديات التي يواجهونها.

وقالت مصادر عسكرية أن كل حلفاء إسرائيل يتلقون معلومات جارية عن التطورات في الجبهة الشمالية ومحاولات الإيرانيين إشعال عدة جبهات ضد إسرائيل. وأضافت أن “الصلة الوثيقة عبرت عن نفسها ببناء صورة وضع محدثة طوال الوقت بشأن كل الجبهات، وكل التطورات

في مقابلة مع “معاريف” طالب نائب رئيس الأركان الأسبق ورئيس مجلس الأمن القومي سابقا الجنرال عوزي ديان ببدء العملية البرية فورا وعدم الانتظار. وقال إن الإسرائيليين ينتظرون من الجيش الإسرائيلي صورة نصر على شاكلة ما جرى في ألمانيا العام 1945. وشدد على أن هذا يعني “استسلام دون قيد أو شرط، من دون مفاوضات”.

وكتب المعلق العسكري ألون بن دافيد في معاريف: “يعطينا الأمريكيون كامل الإسناد لإبادة حماس وقدراتها العسكرية والسلطوية. لكنهم يطالبوننا بان نبدأ أيضا بالتفكير في اليوم التالي. “نهاية القتال هي ليست نهاية الحرب”، قال هذا الأسبوع بايدن لرئيس الوزراء وللكابينت. “نحن أيضا تعلمنا هذا في العراق وفي أفغانستان”. وعليه فبينما نخرج الى الخطوة العسكرية التي تستهدف إبادة حماس سنضطر الى أن نبدأ بتخطيط الفعل السياسي الذي سيأتي بعدها.

عندما ستبدأ المعركة البرية فهي لن تكون سريعة وحادة، مثلما نحب، بل بطيئة، عميقة وأليمة. ستتطلب منا كل المقدرات وكل القوى التي لدينا، ولكثير من الحظ، ولا تزال قوى كهذه أخرى، حتى بعد عشرة أشهر من جهد منهاجي لتخريب المجتمع الإسرائيلي. مئات الالاف الذين جندوا لن يسرحوا قريبا. ”

أما بين رفع للمعنويات وتقديره للموقف كتب يوسي يهوشع في “يديعوت” أن “للجبهة الشمالية علاقة مباشرة ووثيقة مع ما لا يزال يعتبر الجهد الأساس ـ قطاع غزة.

هناك القوات تنتظر ـ وهذه عبارة دون مستوى التعبير ـ الامر المنشود الذي سيأتي من القيادة السياسية، وفقا للخطط التي اقرت في قيادة المنطقة الجنوبية. أمس وصل وزير الدفاع الى احدى مناطق الدخول وقال أمرين هامين: الأول هو “انا مسؤول عن جهاز الامن حتى في الاحداث القاسية في الأسبوعين الأخيرين”، وهكذا أصبح يوآف غالنت السياسي الأعلى والأول في سلسلة المسؤولين عن الامن القومي الذي أخذ المسؤولية عن النتائج الصادمة للهجوم المفاجئ.

الأمر الثاني الناشئ عن أقوال غالنت لرفع المستوى قبيل ما هو متوقع في القطاع: “نحن نوجد في حرب اللامفر”. “قبل نحو أسبوعين هاجم مخربون وقتلوا الأهالي، الأطفال، النساء والأصدقاء. دولة إسرائيل ستمحو منظمة حماس. هذه لن تكون معركة سهلة. هذه ستكون معركة صعبة. وهي لن تستمر يوم ويومين ـ هي ستستغرق زمنا”.

أوضح صورة لحديث وزير الحرب يؤاف غالانت أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست عن خطة المراحل في غزة. قال “هذه معركة من ثلاث مراحل مرتبة. نحن موجودون الآن في المرحلة الاولى، حيث تدور معركة عسكرية، بالنيران وبعدها بالهجوم البري، وهدفها تدمير نشطاء وضرب بنى تحتية بغرض تقويض وتدمير حماس. والمرحلة الثانية ستكون مرحلية انتقالية يستمر فيها القتال بوتيرة أضعف لتصفية جيوب المقاومة. والمرحلة الثالثة ستكون خلق نظام أمني جديد في قطاع غزة، وإزالة مسؤولية إسرائيل عن الحياة في القطاع، وخلق واقع أمني جديد لمواطني إسرائيل ولسكان الغلاف”.

من يفترض أن يترجم التصريحات الى أفعال هو قائد المنطقة الجنوبية، يرون فينكلمان. يعرف الأخير انه هو أيضا يتحمل المسؤولية عن الفشل الذي أدى الى الهجوم المفاجئ، لكن كل من يوجد لديه هذه الأيام – من هيئة الأركان عبر رجال الاحتياط وكذا مرؤوسيه – يأخذ انطباعا جيدا عن أدائه المهني ورباطة جأشه. هذا لا ينظفه ويخيل أنه لا يوجد لديه توقع لذلك، لكن من المهم جدا ان يعرف الجمهور بان من يقود المعركة أهل لها ومصمم على الانتصار فيها. “فرضت علينا حرب مفاجئة مع عدو وحشي، ضربنا ضربة شديدة”، قال فينكلمان أمس. اوقفناه، صديناه، ونحن نهاجمه هجوما شديدا. الآن المناورة ستنقل الحرب الى أراضيه، نحن سننتصر عليه في أراضيه. سيكون هذا قاسيا، سيكون هذا طويلا، سيكون هذا مكثفا. أفضل قادة الجيش هنا، أفضل مقاتلي الجيش هنا، القيادات الأفضل عندنا، القوات الأفضل لدينا، أنتم”.

وكتب عوفر شيلح  وهو خبير أمني وعضو سابق في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست في “هآرتس” تحت عنوان “في غزة سيتقرر مستقبل الشرق الاوسط” أن “إذا كانت إسرائيل تريد ليس فقط توجيه ضربة شديدة للقدرة العسكرية لحماس وحكمها، بل أيضا تريد تحويل الإنجاز الى انجاز ثابت، وتقديم للمرة الأولى منذ سنوات إجابة حقيقية على الشلل الاستراتيجي الذي وصلت اليه، فانه يجب عليها تبني الرؤية التالية: حرب غزة يجب أن تكون الحدث التأسيسي لشراكة حقيقية في الشرق الأوسط والتي ستغير وجهه.

منذ الانسحاب أحادي الجانب من قبل الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي بعد الدفع الكثيف من قبل نتنياهو، طورت إيران استراتيجية جديدة لترسيخ مكانتها كدولة عظمى إقليمية. في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل منشغلة بتشغيل وبناء قوة من خلال رؤية ضيقة للإحباط (معركة بين حربين في سوريا، استعدادات لمهاجمة المنشآت النووية في إيران)، اقامت إيران شبكة متعددة الطبقات: دولة حافة نووية، التي وافقت المنطقة والعالم عمليا على مكانتها هذه حتى قبل انتاج القنبلة؛ التهديد بإطلاق النار من مسار شديد الانحدار على إسرائيل، وإرهاب من جانب حزب الله، حماس والجهاد الإسلامي. هكذا وجد ما سماه الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، محور المقاومة، الذي لم يكن بحاجة الى غرفة عمليات موحدة أو الى أوامر منظمة، بل هو موجود من خلال مصالح مشتركة، التي يمكن تحقيقها بدرجة متفاوتة من القوة.

لكن تزويد السلاح الإيراني لروسيا اثناء حربها في أوكرانيا وتدخل الصين في تسخين العلاقات بين إيران والسعودية قد أصابت لب نظرية الأمن الأمريكية. بعد سنوات ابتعد فيها أوباما وترامب عن منطقة الشرق الأوسط، قررت إدارة بايدن العودة الى المنطقة في اطار ما سمي في الوثيقة التي نشرتها الإدارة “الذخر الاستراتيجي الأكثر أهمية بالنسبة لنا” – تحالفات وشراكة في ارجاء العالم. هكذا يجب تفسير الجهود الدبلوماسية الامريكية قبل الحرب، والتجند من اجل إسرائيل من بدايتها.

هنا تكمن الفرصة: يجب على إسرائيل أن تعتبر الحرب – وعرضها على الولايات المتحدة وشركاءها في المصالح في المنطقة – ليس ساحة محدودة لاستخدام القوة العسكرية، بل عملية مؤسسة لمثل هذه الشراكة. إسرائيل ستدمر حماس كقوة عسكرية وكحكم؛ الولايات المتحدة ستردع الأعضاء الآخرين في “محور المقاومة” عن توسيع الحرب؛ جهات مثل السعودية ومصر ودول الخليج والاردن والمغرب ستكون مشاركة، سواء في المساعدات المدنية لغزة بعد الحرب (عبر مؤسسات دولية ومشاركة رمزية للسلطة الفلسطينية) أو في استقرارها لفترة طويلة (في ظل السلطة) من خلال حفاظ إسرائيل على مجال أمن مادي وحرية عمل لإفشال نمو أي قوة معادية.

هذه ستكون الهزيمة الأولى التي سيمنى بها محور المقاومة: ابعاد عامل خطير كان يوجد على حدود إسرائيل، تواجد فعلي لدولة عظمى، وحرية عمل عسكري إسرائيلي وتهديدات أخرى، وبالأساس تأسيس شراكة مصالح من اجل الاستقرار في المنطقة.

هذه العملية ستحل الصعوبات التي اعاقت الاتفاق بين إسرائيل والسعودية: هزيمة حماس ستكون مكافأة للسلطة الفلسطينية، والشركاء الآخرون سيحصلون هم أيضا على تحقيق مصالحهم، السياسية والاقتصادية والأمنية، بالأساس هذا سيكون البديل المفضل لتشكيل انجاز ثابت للأمن على الحدود الجنوبية. البديل الآخر الذي يتحدث الكثير من الإسرائيليين عنه ولكنهم لا يفهمونه حقا وهو السيطرة العسكرية على القطاع مع سفك متواصل للدماء والاضرار السياسية الجسيمة.

Exit mobile version