طلال سلمان

في صحافة العدو: العملية البرية في غزة وقنوات التفاوض السياسي

غزة ـ حلمي موسى

كتب المراسل العسكري لـ”معاريف” تال ليف رام تحت عنوان “لا للانجرار للبنان: الطريق للحرب في الشمال قصيرة” أنه بعد أسبوعين على بدء الحرب لا تزال عدة اسئلة مفتوحة بشأن العملية البرية في الجنوب.

مثلاً، هل أن حزب الله سيتخذ قرارا بتصعيد وتيرة نيرانه وإطلاق الصواريخ على إسرائيل عند دخول القوات الإسرائيلية إلى غزة ويغامر بإدخال لبنان في حرب مباشرة مع إسرائيل، مع كل عواقب ذلك على الدولة التي تعيش حالة تفكك؟

وفي كل ما يتعلق بغزة، يرى ليف رام، أن إسرائيل تود إدارة الجهد المركزي هناك لهزيمة حماس، والمسألة الأولى التكتيكية تتصل بنوعية الحلول التي يملكها الجيش لمواجهة مخاطر الأنفاق الدفاعية لحماس، بحيث يمكن استغلال تفوق الجيش الواضح فوق الأرض. والسؤال هو هل أن الجيش ومن المراحل الاولى سينجح في إبعاد خط الدفاع الأول لحماس إلى الوراء، أم سيركز على ممارسة الضغط على مراكز قوة حماس في المدن لكبرى وفي مقدمتها مدينة غزة.

والمسالة الثانية المتعلقة بغزة ترتبط بشكل مطلق بقدرة الجيش الاسرائيلي على إحراز انجازات فعلية في ميدان القتال، بحيث يمكن ترجمتها إلى بعد سياسي لا يدع مجالا للشك بشأن قدرة حماس على مواصلة قيادة قطاع غزة في اليوم التالي. فكل أمر أقل من ذلك سيمثل عدم تحقيق للأهداف التي عينتها دولة إسرائيل لنفسها في هزيمة حماس والانتصار عليها هذه المرة بشكل واضح.

وفي نظر رام ليف فإن سلاح الجو يعمل أساسا لتمهيد الطريق أمام دخول القوات ويضرب الاماكن التي تتوفر حولها معلومات بوجود مواقع مضادات دبابات وقناصة، ومناطق ملغومة في مزارع قطاع غزة. حجوم الإطلاقات على إسرائيل، والتي لم تعد بحجم كبير حاليا، تسمح أيضا بمرونة معينة حتى اتخاذ القرار بإدخال القوات وبدء العملية البرية.

ورأى أن مدى ضرب الانفاق داخل غزة أمر ينبغي النظر إليه بشكل محدود الضمان من منطلق الفهم بأن حماس استخلصت أيضا العبر من العملية الأخيرة في محاولة لتجنب قدراتنا على تشخيص مسارات الانفاق التي لن يتنازلوا عنها. ومع ذلك فإن الدمار الكبير في غزة فوق الارض يشوش عليهم، على الاقل، جزء من خططهم بسبب تدمير المباني الذي دفن فتحات أنفاق خططوا لاستخدامها.

وإزاء هذا الواقع ينتظر من الجيش ان يتقدم بمدرعاته من أجل استخدام الكثير جدا من النيران أثناء الحركة، حيث ستوفر الطائرات اسنادا وثيقا من الجو. وهذا النمط من العمليات، إذا أجيد استخدامه، يمكن أيضا أن يدخل الجيش الإسرائيلي بشكل جيد للقتال، وبذلك يؤثر أيضا على استمراره. الدخول الجيد للقتال البري في المرحلة الاولى يمكنه أن يقصر بقدر ما الجهد الاساسي للجيش، حتى لو تطلب الامر بعد ذلك عمليات واقتحامات عسكرية كبيرة على مناطق أخرى في القطاع.

والمسألة الأكبر لبنان. فكل ما كتبناه حتى الآن سيتأثر بما إذا أيام القتال في لبنان ستغدو أيام حرب فعلية، ومن هنا فإن الطريق للحرب في الشمال يمكن أن تكون قصيرة.

إن بدء الحرب في الشمال سرعان ما يحول الحلبة الجنوبية إلى حلبة ثانوية، من هنا فإنهم في حزب الله يحاولون تضخيم معضلة إسرائيل، ولكن عمليا القرار اتخذ. حجم تجنيد القوات الاحتياطية الواسع منذ المرحلة الاولى للحرب، ووزارة الدفاع الامريكي والجيش الامريكي، الذين فهموا بسرعة فائقة صورة الوضع الخطير من فتح جبهات على إسرائيل، ورئيس أمريكي اتخذ قرار سريعا بالمصادقة على خطط أدراج كانت بيد الجيش ووزارة الدفاع الامريكية لمساعدة إسرائيل في وضع كهذا بل لأكثر منه، كل ذلك يشك أساس اضافيا لقرار اتخذ في إسرائيل لمواصلة الخطة، والتركيز في هذه المرحلة على هزيمة حماس في الجنوب.

المؤسسة الامنية الإسرائيلية تعتقد أن حماس تمارس ضغوطا كبيرة على حزب الله للانضمام للمعركة، لكن في غيران أصوات مغايرة، بحيث أن ساحة اللعب بين إسرائيل وحزب الله حتى الآن تجري على خط التماس.

وبحسب يديعوت فإن الغارات التي شنتها إسرائيل على المطارات السورية الليلة الفائتة كانت الأعنف منذ بدء الحرب، وشملت قنابل وذخائر أكبر من التي ألقيت الليلة على حوالي 100 هدف في قطاع غزة. وقد أغارت الطائرات الإسرائيلية على مدرجات عدة مطارات في سوريا لمنع وصول قوات ووسائل قتالية متقدمة من إيران ومن العراق إلى لبنان وسوريا نفسها. وكانت سوريا قد أعلنت توقف مطاري حلب ودمشق عن العمل.

وأعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أمام قادة لواء جولاني: “غزة مكتظة، والعدو أعد لنا فيها كثيرا من الأمور، لكننا أيضا أعددنا له أموراً”.

وقد اعتبر يؤآف ليمور المعلق العسكري لصحيفة “إسرائيل اليوم” أن الجيش الإسرائيلي أنهى استعداداته للمعركة البرية في قطاع غزة. وأن القيادة السياسية – الأمنية تعتقد أن المعركة ستستغرق بضعة أشهر، سيكرس قسمها الأول للسيطرة على المنطقة ولاحقا للضرب المنهجي للبنى التحتية العملياتية والسلطوية لحماس.

وأشار إلى أن مسؤولي الجيش ينقلون لقادة الوحدات التي ستشارك في الحرب رسالة مفادها: هذه ستكون معركة قاسية، في منطقة مكتظة ومعقدة، مع الكثير من المفاجآت التي تعدها حماس – من العبوات والصواريخ المضادة للدروع وحتى البيوت المفخخة وشبكة متفرعة من الانفاق تحت أرضية.

وأوضح أن إسرائيل تأمل أنه الى جانب الأهداف المعلنة لحملة سحق الذراع العسكري لحماس وتحييد قدرتها على الحكم في غزة، سيتحقق في سياقها هدفان آخران:

الأول: تحسين الظروف العملياتية لتحرير المخطوفين، او على الأقل الحصول على معلومات عن مكانهم ووضعهم.

والهدف الثاني هو تصفية القيادة السياسية والعسكرية لحماس. وأشار إلى أنه حتى الان تمت تصفية أربعة من بين 20 عضو مجلس الشورى في حماس، بضعة قادة من مستويات وسطى وكذا مسؤول عسكري كبير واحد – ايمن نوفل، الذي كان رئيس استخبارات حماس وقاد منطقة مخيمات الوسط في المنظمة. لكن واضح لإسرائيل بان الحملة يجب أن تنتهي قبل كل شيء بتصفية الثلاثي الأعلى في المنظمة – يحيى السنوار، محمد ضيف ومروان عيسى – وبالتوازي كل واحد من رؤساء القيادة السياسية والدينية في غزة.

في الشاباك يعملون أيضا على تصفية كل من كان مشاركا في هجمة 7 أكتوبر، معظمهم نشطاء قوة النخبة في المنظمة ممن سيكونون من الان فصاعدا هدفا للتصفية. وأضاف أن إسرائيل ستكون مطالبة بان تحسم إذا كانت ستوسع المعركة ضد حماس من خارج حدود القطاع أيضا.

في السنة الأخيرة هدد صالح العاروري كمشكلة هامة، بعد أن اقام في لبنان قوة قتالية لحماس وبالتوازي شن من لبنان ومن تركيا عمليات في الضفة.

كما أن القيادة السياسية لحماس برئاسة إسماعيل هنية وخالد مشعل تتمتع بالحصانة في ضوء اقامتها في قطر ومعقول أن تعمل إسرائيل لدى الولايات المتحدة ودول أوروبية لممارسة الضغط الذي يؤدي الى إخراجهم من هناك.

وتحت عنوان “القاتل الصامت – قطر” كتب ايال زيسر في “إسرائيل اليوم” ما يوحي بحملة كبيرة على قطر. وزيسر ليس الوحيد الذي يكتب ضد قطر وربما أن هذه الحملة لها أهدافها حيث أن جانبا من دور قطر يعود إلى منهج نتنياهو الذي كان يسعى للمحافظة على الانقسام الفلسطيني بوصفه أهون من شر الاضطرار للقبول بحل سياسي مع السلطة الفلسطينية. وأشار زيسر إلى أن “فظائع حماس” تمت بتشجيع من طهران وبسلاح زودته لحماس او ساعدتها في انتاجه. لكن المال الذي مول المذبحة وكذا اثارة الخواطر في خدمة الحرب الجهادية لحماس وحزب الله ضد إسرائيل، فتقدمه قطر حيث توجد كما هو معروف القيادة السياسية لحماس”.

واعتبر زيسر ان قطر تستثمر مليارات الدولارات لغسل يديها من الدم وفي تسويق صورتها كدولة حديثة بل ومؤيدة للغرب. لكن هذه الدولارات لا تشوش الحقيقة البسيطة ان في إسرائيل وفي واقع الامر في كل الشرق الأوسط، من الخليج وحتى شمال افريقيا، حيث يسفك دم الأبرياء، فان أثر ومسار الدولارات التي مولت القتلة تؤدي الى قطر. وكتب أن “على إسرائيل الاقرار بانهيار ليس فقط المفهوم الذي يقول ان حماس هي راشد مسؤول، يستحق ان تودع غزة في يديه كي يحافظ لنا فيها على الهدوء، وإنما انهار أيضا انهار مفهوم لا يقل ضحالة عنه ويقول ان قطر هي شريك إسرائيل والدول المعتدلة في المنطقة في المساعي لتحقيق التهدئة وضمان الهدوء، وكل ما هو مطلوب هو منحها الشرعية والعناق الحار والسماح لها بان تضخ مليارات الدولارات على أمل “خاب” بان تمول هذه تنمية اقتصادية وليس الإرهاب.

وخلص إلى أنه بينما تصف قناة “الجزيرة” الولايات المتحدة، وليس فقط إسرائيل كعدو، وتشجع المس بها وبمصالحها، فان مالكي القناة، حكام قطر، ينالون الثناء والشكر من الإدارة الامريكية التي لا تزال ترى فيها حليفا مصداقا. الامريكيون مستعدون إذن لان يغضوا بصرهم وان يتجاهلوا الرعاية والدعم الذي تمنحه قطر لقتلة حماس وكذا لحركة طالبان بالمناسبة ولحركات ظلامية أخرى جعلت قطر مركز نشاطها. لكن ينبغي أن لا ننحو باللائمة على الإدارة الامريكية بينما نحن أيضا تباهينا بالحوار الذي نجريه مع قطر وأثنينا على العلاقة التي اقمناها بواسطتها مع حماس. وهكذا تجاهلنا حقيقة ان في الباب الذي فتحناه امامها، اتحنا لقطر ان تضخ المال الذي مول أفعال الذبح المفزعة التي قامت بها المنظمة. وذهب زيسر إلى حد القول بأن إسرائيل حتى اليوم تعاملت مع قطر بقفازات من حرير وهكذا تصرف الامريكيون أيضا. لعله حان الوقت لان نفهم بان قطر ليست الحل بل المشكلة.

ومن ناحية أخرى، اعتبر تسفي بارئيل المختص بالشؤون العربية في “هآرتس” أن مؤتمر السلام في القاهرة أخرج من الأدراج للمرة الألف المواقف الفظة ذاتها والتي استهدفت اظهار التضامن مع الفلسطينيين، لكنه عكس في هذه المرة تخوفات دول خط المواجهة من التداعيات المرتقبة للحرب عليها، وليس فقط على الفلسطينيين.

ويضاف الى ذلك خيبة أمل هذه الدول من أنه تم القاء “المشكلة الفلسطينية” امامها في الوقت الذي تدار فيه هذه المشكلة في هذه المرة على يد منظمة فقط القليل من هذه الدول تقيم معها علاقات أو تعتبرها تمثيل مناسب واصيل للشعب الفلسطيني.

وفي نظره فإن هذا كان مؤتمر طارئ لدول لم تنجح في التوصل حتى الآن الى حل دائم للمشكلة الفلسطينية. وبعضها تجد نفسها مع اتفاقات سلام وتطبيع مع اسرائيل، لا ترقى لمستوى أن تشكل حتى أداة ضغط على اسرائيل من اجل وقف الحرب، والتي تجبي منها ثمنا جماهيريا باهظا، في حين أن قطر بالذات، التي لم توقع على اتفاق سلام مع اسرائيل، تمسك بيدها الاوزان الثقيلة.

وأشار بارئيل إلى أنه مثلما في كثير من المؤتمرات الدولية فان النتائج العملية ستتبلور في محادثات الأروقة وعلى الارض وليس على المنصة المثيرة للانطباع. في الأحاديث المتبادلة فان الشخصية الرئيسية هي حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد، الذي وصل أمس الى المؤتمر مع الهدية الهامة وبحق، إطلاق سراح المخطوفتين، الذي من شأنه أن يحرك استمرار العمليات.

قطر مرة اخرى تظهر كوسيط ناجع تمسك بيدها آليات تأثير، التي تطورت خلال السنين على اساس استراتيجية مخطط لها جيدا. ومن المهم القول إنه رغم تسويق حماس كجهة ترعاها إيران فان حماس تفضل اجراء نضالها الدبلوماسي، الاصعب في تاريخيها، بواسطة قطر وليس عن طريق إيران. ذلك توجد له عدة اسباب أهمها هو تقدير حماس بأنه توجد لقطر مقارنة مع إيران أو تركيا ادوات تأثير في واشنطن، وهكذا بشكل غير مباشر على اسرائيل.

أيضاً إيران خيبت حتى الآن أمل حماس عندما لم تطبق على الفور باستخدام “وحدة الساحات” ولم تضم حزب الله بشكل كامل للمعركة.

وحسب التقدير العملي لحماس فان قطر، وليس أي دولة اخرى ولا حتى مصر، هي التي من شأنها أن تمنح حماس ضمانات لأي اتفاق سيتم التوصل اليه، إذا نجحت في التوصل الى اتفاق كهذا.

وقد وسعت وزارة الخارجية ومجلس الامن القومي الاسرائيلية تحذيرات السفر للإسرائيليين مشيرة إلى تعاظم الخطر على الاسرائيليين والمؤسسات اليهودية في العالم جراء الحرب على غزة. وفي هذا السياق تم رفع مستوى الخطر على الاسرائيليين في مصر وسيناء والاردن إلى الدرجة الرابعة وأوصت الإسرائيليين بعدم الذهاب إلى هذه المناطق أو البقاء فيها وكالبتهم بالمغادرة بأسرع وقت. كما رفعت درجة الخطر في المغرب إلى الدرجة الثالثة وأوصت الجميع بعدم البقاء في أي من دول الشرق الأوسط حتى إشعار آخر. والامر ينطبق على كل دول الشرق الأوسط والدول العربية وبينها تركيا ومصر والأردن ودولة الامارات والبحرين والمغرب. وأوصت أيضا بعدم الذهاب إلى دول اسلامية مثل جزر المالديف.

من ناحية أخرى نشر موقع والا أن أمريكا أعدت مشروع قرار في مجلس الامن يدين حماس ويشدد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. ولا تطالب مسودة القرار الامريكي بوقف النار لكنها تطالب بالإفراج عن الرهائن لدى حماس وايصال مساعدات انسانية للسكان في غزة. وحسب التقديرات فإن روسيا سوف تستخدم حق الفيتو لإسقاط هذا المشروع.

Exit mobile version