طلال سلمان

في حضرة سلطان النوم بانتظار طلوع الشمس ونهار جديد

غزة ـ حلمي موسى

كالعادة بعد أن يطغى التعب على ما عداه ويرفض استمرار المكابرة بإبقاء العين مفتوحة، يأتي أوان الاستسلام لسلطان النوم.

لست أدري إن كنت فعلا سأنام أم سأتظاهر بالنوم ولا أعرف كم مرة يمكن أن أضطر للقفز من فراشي على الأرض لأرى إن كنت باقياً على قيد الحياة أم لا قبل أن أعود للنوم أو للتظاهر بالنوم من جديد.

فعلا لا تعرف إن كنت ستنام أم ستتظاهر بالنوم. فتجارب الأسبوعين السابقين أظهرت أن المهم هو أن تنام. لا يهم إن كان نومك حقيقا أم تظاهرا.

فالنوم يعني راحة للجسم حتى لو بقي العقل متأهبا ومتوترا.

يقال أن العقل لا يحتاج إلى العدد نفسه من ساعات النوم كي ينهض منعشا ويجدد دورة الحياة لنفسه.

وكانت القناعة وربما ستبقى بأن النوم سلطان أقوى من كل سلاطين الواقع الأخرى وهو يدفعك للنوم ولو واقفا وحتى لو كنت ماشيا. وكثيرون يعرفون كيف أن السائقين النائمين على الطرقات يمكن أن يخلقوا أشد حوادث الطرق خطورة.

ولكن مالي وكل هذا. قررت الذهاب للاستلقاء والاستسلام للنوم مع قرار مسبق بأن لا أنهض من فراشي. ولكن وكأنها مؤامرة مقصودة لمنعي من بلورة تصور عن نفسي وكأني قادر على تجاهل كل ما يحيط بي، جاء القصف عنيفا جدا هذه الليلة. كان يبدو قريبا من أصوات تكسر الزجاج وسقوط بعض الاغراض لدى جيران قريبين أو بعيدين. وللوهلة الأولى تظن أنك أو محيطك الأقرب هو المقصود بالقصف. فأضواء القصف الشديد تغرق شقتك وتدفعك غصبا لأن تنهض من فراشك.

بين الرغبة في تحسس ذاتك وبين الفضول لمعرفة أين وكيف تجد نفسك كما لو أنك في بداية الحرب: تنتقل من نافذة إلى أخرى مع تنقل القصف.

وتتجرأ وتقول بعد أن تجد نفسك حيا وأن لا ضرر مباشر عليك أن تفكر في العودة مجددا إلى الفراش للاستسلام للنوم. ولكن من أين يأتي النوم. القصف هذه الليلة، على الأقل في محيطنا، أعنف من كل الليالي السابقة. والأدهى أن الاحساس بالضربات أقرب كثيرا مما كان. سواء نبع ذلك من حجم القنابل التي تلقى أو من أثرها المباشر على أركان البيت.

في كل حال تجد نفسك مرات ومرات تنهض من الفراش وتجلس على كرسيك وتقول: بلا من النوم هذه الليلة. والصحيح أن عدم النوم أقل راحة من النوم وفق كل المعايير ما يعني زيادة التوتر والاحساس بالتعب.

وبعدها تقول في نفسك: كل هذا سيمضي وسطوة سلطان النوم ستغلب كل سلطان آخر.

ما كان بوسعي البقاء مستلقياً وجالسا لا افعل شيئا وأنا أسمع الطائرات تجوح من فوقها وكأنها عواصف مزمجرة تلقي بحممها فوق رؤوس أحباب لي أعرفهم ولا أعرفهم.

الدنيا من حولي ظلام في ظلام حالك ولكني أكتب على ضوء شاشة لابتوب أراحتني من الجلوس طويلا على شاشة هاتف صغيرة.

بانتظار طلوع الشمس ونهار جديد ينبئنا بأننا لا نزال أحياء. شهود على حجم الجريمة.

وليس يهم عدونا أكثر من ان يغرس فينا شعور اننا لوحدنا وان العالم “الحر” والمتحضر كله معه. ولكننا ان لم نكن جميعا فالأغلبية منا تعرف ان معنا قلوب كل الجماهير العربية ودعوات كل محبي الإنسانية وكل اعداء الشر.

إسرائيل تعيد بناء صورتها في نظرنا بأنها الشر المطلق الذي يكاد لا يتغير عن حقيقته الأصلية.

والشمس تطلع من جديد تزيح من أمامنا أستار ليل حالك وتنبئنا بأن النور مهما طال الليل سيأتي. وتنظر إلى غزة، مدينتنا الحبيبة، فتراها كأنها لم تتغير.

كل ما مر عليها ضربة أخرى وضربة هناك.

بيوت ستتعمر مهما دمر منها.

المؤلم ليس عديد الشهداء وإنما قصصهم.

فعلا في كل بيت باق دمعتان. على الشهيد وعلى من ترك خلفه.

فهناك في المستشفيات والمدارس عشرات الألوف من الجرحى في اجسادهم وجرحى النفوس ممن ينتظرون لحظة التقاط الأنفاس.

تغلب في رؤوس كل الناس الان فكرة البقاء وبعدها يأتي التفكير بما يمكن أن يفعلون بعد أن تسكت المدافع.

من المؤكد ان الجميع يفكر بغزة أجمل وبوطن أرحب وبوطنية تترفع عن صغائر الأمور.

ما جرى ويجري في غزة كفيل بأن يعيد للعقل مكانته ويظهر كم كانت اختلافاتنا هامشية مقارنة مع تناقضنا مع عدو لا يرانا الا من فوهة بندقية ولا يتمنانا الا في القبور.

تختفي الشمس حتى الآن خلف سحابة قاتمة لكنها ستمر وتمضي.

 

Exit mobile version