طلال سلمان

في تحية مجلس نيابي جديد

لا يمكن الطعن بشرعية المجلس النيابي الجديد الذي سيباشر مهامه اليوم، متجاوزاً التحفظات الوطنية والاعتراضات المبدئية التي أطلقت ضد قانونه والتي وصلت إلى حد اعتباره معادياً لفكرة الوطن ووحدة الشعب، قبل الوقوف أمام حقيقة أنه يعود بالبلاد القهقرى الى… أحضان الحرب الأهلية!
لقد تجاوز اللبنانيون، كالعادة، ما قالوه في العودة الى قانون الستين، واندفعوا الى «تأدية واجبهم الانتخابي» قطعانا: انتظم «أبناء» كل طائفة وكل مذهب خلف زعاماتهم واندفعوا كأمواج البحر الى صناديق الاقتراع ليؤكدوا «حضورها» واستعدادها للمواجهة، وليكن ما يكون!
جاء المغتربون الذين نسوا مساقط رؤوسهم، او جيء بهم، عبر استنفار لم يحدث مثله لا في مواجهة الحروب الإسرائيلية على لبنان، ولا في الحملة من اجل إعادة إعماره. الثأر الطائفي أهم من الواجب الوطني. الوطنية موضة قديمة سحبت من التداول ولم يعد لها «سوق»!
أوهم كل من القادة والأقطاب والزعماء، السياسيين والروحيين، جمهوره انه إنما سجل على نفسه عار إقرار ذلك القانون المهين لكرامة الإنسان وحقوقه في وطنه، من أجل كرامة الطائفة التي تتقدم على الأوطان والدول.
باختصار، ساهم الجميع في نقل أسباب التصادم من الشارع الى هذه الندوة… وعند بابها بدأت المساومة علنا بين الطوائفيين: أعطونا فنعطيكم! أما إن تمنعتم فهي الحرب!
ولسوف يكون مثيراً أن يتابع رعايا هؤلاء الطوائفيين، اليوم، الانطباعات التي ستلوح على وجوه أعضاء السلك الدبلوماسي، نساء ورجالاً، وهم يتفرجون من شرفتهم العالية على نتاج جهودهم الخيرة من أجل توطيد الديموقراطية في لبنان!
ستقول سفيرة عظمى لسفير مذهب: هؤلاء أبناؤنا، فليأتونا بمثلهم! من حقنا أن نتبادل التهاني.
وسيرطن سفير غربي لسفير شرقي: هذه هي الديموقراطية، يا عزيزي، هناك دائماً رابح وخاسر… وفي الامثال العربية «الكريم من كتم إهانته!». إن لبنان الغني بتنوعه وتعدد أطيافه الدينية ـ السياسية الطائفية ـ الحزبية، يكاد يختزل العالم.
وسيهتف سفير مستجد وهو يكاد يقفز فرحاً: ها نحن تحت، كما نحن هنا. إن هؤلاء الذين جاءت بهم ديموقراطية الطوائف إنما يمثلوننا خير تمثيل! لكل منا في القاعة نصيب!. هذا هو لبنان الذين يمكن اعتباره المختبر الأعظم للديموقراطية الكونية. ان هذا البلد خطير، فهو يستطيع تحويل الخطيئة إلى ميزة استثنائية يحسده عليها الجميع! أرأيتم حماسة وسائل الاعلام التابعة لصحراء القمع العربية وهي تخوض الحروب نيابة عن اللبنانيين وباسمهم نصرة لديموقراطية لم يتعرفوا عليها إلا في الكتب… الممنوعة!!
…ولسوف يهنئ نواب الطائفة (الف) نواب الطائفة (ب) بوصفهم شركاء محتملين، ولو من مواقع متواجهة، في حروب الديموقراطية اللاغية للوطنية!
أما خارج بيت التشريع فلسوف يحتشد جمهور من المناصرين والأزلام الذين يرون أنفسهم مسؤولين عن حماية رموز المؤسسة ـ الأم للتشريع التي تحمل بين جنباتها أسباب الحرب الأهلية المقبلة.
وأما المواطنون الذين عادوا، مرة أخرى، رعايا لطوائفهم فلسوف يقبعون في منازلهم يتفرجون على ما جنته أيديهم وهم يقولون: اللهم، إننا لا نطلب منك رد القضاء ولكن اللطف فيه!
والدنيا صيف، وموسم الاصطياف سيكون مزدهراً كما لم يكن أبداً، وسنبلط الشوارع بالدولارات والاورو والريال والدينار والجنيه الاسترليني، ولن يبقى عاطل عن العمل إلا الغشيم! فنِعَم الديموقراطية أعظم من أن تحصى!
عاشت الطائفية. عاشت المذهبية. رحم الله الوطن!

Exit mobile version