طلال سلمان

في بيروت بعد عشرين عاماً

لا إحساس بخطر مصيري داهم على »السلطة« الفلسطينية عند »وزير الدولة لشؤون المجلس التشريعي« نبيل عمرو: في ضوء التجربة استقر في يقيننا أن ياسر عرفات »خط أحمر أميركي«. نعرف أن »البيت الأبيض« قد أُغلق في وجه عرفات ولم يعد وارداً في المدى المنظور أن يدخله، بناءً لقرار اتخذه الرئيس السابق بيل كلينتون والتزمت به الإدارة الجديدة ردا على »عناد« عرفات الذي أفشل تلك القمة التي أعطاها كلينتون الكثير من وقته وراهن عليها كإنجاز مدوّ وأخير.
يقول نبيل عمرو الذي جاء برسالة من عرفات والتقى أمس رئيس الجمهورية العماد إميل لحود ورئيس الحكومة رفيق الحريري: ان الرئيس لحود أبدى تعاطفه الحار مع عرفات، ورحب بقدومه للمشاركة في القمة مؤكدا أن لبنان كله يعيش حالة من التضامن الكلي مع شعب فلسطين الذي يعاني حاليا من وقوعه في الأسر.
ويبدي عمرو سرورا غير محدود لمجيئه إلى بيروت، أخيرا، وبعد عشرين سنة من خروجه منها بعد الاجتياح الإسرائيلي بقيادة شارون ذاته، ضمن المقاتلين الفلسطينيين الذين أُخرجوا باتفاق فيليب حبيب العام 1982، فتوزعوا على إحدى عشرة دولة عربية: إن وسط بيروت جميل للغاية! إنها لمعجزة أن تكونوا قد أعدتم بناء العاصمة بهذه السرعة وبهذه الأناقة.
يستدرك بحرقة: والإسرائيليون، بقيادة شارون أيضا، يهددون منشآتنا البسيطة في غزة وفي الضفة الغربية!
ثم تأخذه روح الدعابة فيضيف: عندما جرفت الدبابات الإسرائيلية مطار غزة ودُمِّرت طائرة عرفات ذهبنا كوفد لتعزيته. قلنا: يسلم راسك يا أبو عمار! ولم يضحك بل سألنا باهتمام عن الطيارين الروس فطمأناه إلى أنهم جميعهم بخير.
نسأله كيف يمضي »الأسير« ياسر عرفات وقته في رام الله، فيرد مع ابتسامة: أنتم تعرفون أبا عمار! إنه يخترع مهمات وانشغالات. وهو »يجوهر« مع الشدة. ثم ان ما يحفظه من القرآن الكريم ومن »الحديث« وما يبتدعه من الشعارات، في ظل الأزمات، يعينه كثيرا على تجاوز الضيق النفسي. في كل حال فلديه الكثير مما يشغله: استقبالات ضيوف وزوار أجانب، استقبالات وفود من مختلف أرجاء الضفة، اتصالات… إنه يخترع مهمات وانهماكات من تحت الأرض.
لماذا اعتقلتم أحمد سعدات، لماذا هذه المشكلة الجديدة مع الجبهة الشعبية والتي من شأنها أن تفسد المناخ الوطني العام؟
لم يرتبك نبيل عمرو ولم يتلعثم وهو يقول: منذ اليوم الأول لاغتيال رحبعام زئيفي والمفاوضات شغالة. كان العرض أن يسلم منفذا العملية إلى السلطة فتحاكمهما وتحكم عليهما بالمؤبد، ثم تسجنهما للتخفف من الضغط الأميركي، ولم يكن واردا في أي حال أن نسلمهما إلى إسرائيل.
لماذا الخديعة إذن في اعتقال أحمد سعدات؟
كان ثمة اتفاق على اللقاء. ولعل بعض الأجهزة الأمنية قد تصرفت بالتضاد مع جهاز آخر. في أي حال فليس الوقت مناسبا لشعارات مدوية مثل »التحرير من النهر إلى البحر«. إنه عالم مختلف، ولا نستطيع أن نتحمل الضغط الأميركي إضافة إلى حالة الحصار والاضطهاد والقمع الإسرائيلي المفتوح. ليسمحوا لنا، جميعا.. إننا نعيش في أبأس حال، وليس من خيار غير المراهنة على الموقف الأميركي، خصوصا أن لا بديل من شارون، فالمزاج الإسرائيلي العام إلى مزيد من التطرف، وإن كان أحد الاستفتاءات قد أعطى شمعون بيريز، بعد مبادرته الأخيرة، نسبة عالية من الأصوات.
سألنا عن بعض الأصدقاء القدامى، فطمأننا عمرو إلى أحوالهم، ولما سألناه عن الشاعر الكبير محمود درويش قال: لقد جاء إلى رام الله. وهو يجيء بين الحين والآخر لتناول طعام الغداء مع عرفات. لم يشأ أن يعيش خارج »الحالة«، ورام الله، ولو محاصرة، أحب إليه من عمان.
وأنت، كيف خرجت؟
عن طريق عمان. ما زالت لجان التنسيق تعمل، وإن كان التضييق قد بات أشد وأقسى. وسأعود عن طريق عمان.
وكيف ستتسلمون دعوة لبنان إلى القمة؟!
عن طريق عمان أيضا، ونأمل أن تكون الأزمة قد انفرجت قبل القمة وأن يتمكن الرئيس عرفات من القدوم للمشاركةمع إخوانه في أعمال هذه القمة التي تجيء في توقيت دقيق للغاية. نتمنى أن تكون ظروفنا قد اختلفت، وعرفات متشوق إلى أن »يزور« وأشدد على كلمة »يزور« بيروت ويلتقي إخوانه الملوك والرؤساء.

Exit mobile version