طلال سلمان

في انتظار”القدر”الاسرائيلي

منذ شهر تقريبù ينام اللبنانيون بعيون مفتوحة حتى لا يداهمهم »القدر« وهم عنه غافلون!
ومنذ عشرة أيام، وبعد قمة شرم الشيخ مباشرة، لا يفتأ اللبنانيون مسؤولين ومواطنين يتحسسون رؤوسهم بمعدل مرة كل ساعة، ليستوثقوا من أن الضربة الإسرائيلية »الموعودة« لم تصبهم بعد هم بالذات، وإن كانوا لا يستطيعون الاطمئنان إلى الدقائق المقبلة،
الكل يعيش في رعب: إن هدرت طائرة، ولو مدنية، افترضوا »أنهم قد جاؤوا«، وإن دوى صوت تصادم سيارتين بحثوا غريزيù عن أقرب ملجأ آمن..
يتابعون الأخبار بنهم استثنائي، ولا سيما تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بدءù بشمعون بيريز مرورù »برئيس الدولة« عزرا وايزمن، ووزير الخارجية إيهود باراك، وانتهاءً بأوري لوبراني وأتباعه في الشريط المحتل من جبل عامل،
في كل بيت، أو مكتب، أو حافلة أو سيارة أو مقهى أو مطعم »حلقة نقاش« حول نقطة واحدة بأسئلة كثيرة: الكل ينطلق من أن الضربة آتية لا محال، ولكنهم لا يعرفون متى، ولا يعرفون أين، ولا يعرفون حجمها، ولا يعرفون هدفها المحتمل، بالضبط، وينطلقون في تخمينات وتقديرات تتجاوز خيال القادة الإسرائيليين المتخصصين بالعمليات الخاصة!
المفارقة الموجعة: أن اللبنانيين اليائسين من احتمالات »الإنقاذ«، لا يعرفون جريمتهم التي تبرّر مثل هذا العقاب الأشبه بقدر، والذي تريده تل أبيب »نوعيù« وغير مسبوق وغنيù بمطر الأصوات التي تؤمِّن نجاحù باهرù لشمعون بيريز في انتخاباته القريبة التي باتت نتائجها معلقة على حجم الضحايا القرابين التي سيقدمها على مذبح إله الانتقام الإسرائيلي!
بالطبع، ليس واردù أن يصنّف مثل هذا الوضع »إرهابù« لشعب بكامله،
فمن ينتحر يأسù بعدما أغلقت أمامه أبواب الحياة فوق أرضه، إرهابي،
أما الدولة التي تقتل مباشرة، وبأحدث وسائل الدمار مواطنين أبرياء (وغير آمنين) في بلد آخر، فلا يمكن ان تتهم بالارهاب ما دام اسمها »اسرائيل«!
وأمس الاول، مثلاً، لم يتوقف احد في العالم كله ليسأل: ماذا يفعل الجندي الاسرائيلي في الطيبة وعديسة ورب ثلاثين وغيرها من قرى جبل عامل، بينما اجمع »العالم« على اتهام علي الأشمر الذي فجر نفسه بدورية للاحتلال على مدخل قريته الطيبة بأنه إرهابي!
لكأنما اقتحم علي الاشمر على الضابط الاسرائيلي بيته او مكتبه في تل أبيب!
لكن تلك مسألة اخرى، فلنرجع الى أساس الموضوع:
هل لاسرائيل، ولشمعون بيريز على وجه التحديد، مصلحة فعلية بتوجيه ضربة عسكرية الى لبنان، او بالدقة الى »حزب الله« في لبنان؟
وبمعزل عن تصريحات المسؤولين الذين »بشّر« بعضهم بالضربة، وعكف آخرون على »تبريرها«، وتطوّع طرف ثالث لعرض خريطة بأهدافها تاركù لإسرائيل حرية الاختيار، فمن الواضح ان القيادة الاسرائيلية ليست موحدة حول هذا الأمر، وليست حاسمة فيه، ولعلها تستخدم التهديدات المتواصلة ضد لبنان، لتحقيق هدف سياسي كبير هو الآن قيد الانجاز فعلاً داخل الارض الفلسطينية المحتلة.
قبل قمة شرم الشيخ وفيها، ثم بعدها، ركزت اسرائيل اتهامها بالمسؤولية عن العمليات الاستشهادية التي شهدتها تل ابيب والقدس المحتلة وعسقلان، على ايران، تاركة لسوريا تهمة »التقصير« في ردع الاستشهاديين ومن ثم تأمين السلامة للاسرائيليين!
حتى الاتهام ل»حزب الله« جاء توكيدù لتحميل إيران المسؤولية وإيحاءً »بالتقصير« السوري، مع تهديد (لم ينفذ والأرجح انه لن ينفذ) بإسقاط اتفاق تموز 1993 الشهير،
لكن المسرح الفعلي للجريمة المتمادية هو الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو مجموع الفلسطينيين، من كان منهم في غزة او في الضفة الغربية او داخل الكيان الاسرائيلي نفسه.
ومن دون التورط في »تبرئة« اسرائيل من احتمال توجيه »الضربة الموجعة« الى لبنان، جنوبù او بقاعù او ضاحية او عاصمة او في اي مكان آخر، فلا بد من الالتفات الى حجم الجريمة الفظيعة التي ارتكبتها وما تزال ترتكبها هذه »الضحية البريئة لإرهاب التطرف الاسلامي« بالتواطؤ وبالمشاركة الكاملة من طرف سلطة عرفات في غزة ضد الشعب الفلسطيني برمته..
لقد حولت اسرائيل كامل فلسطين (ودائمù بالتعاون الممتاز لعرفات) الى معتقل جماعي، وهي تمارس على شعبها حصار التجويع، ناهيك بالاضطهاد والإذلال اليومي عبر حملات الدهم اليومية.
ان عدد المعتقلين، وفقù لاعتراف اسرائيل وسلطة عرفات، بالآلاف، وبذريعة تفكيك البنية التحتية لحركتي »حماس« و»الجهاد الاسلامي«، اقتُحمت الجامعات وأغلقت المعاهد والجمعيات الخيرية والروابط الثقافية، وصودرت المساجد، ونسفت البيوت، واقتيدت الامهات والاخوات الى السجون لتأديب بعد الوفاة للذين نفذوا العمليات الاستشهادية ليأسهم المطلق من امكان العيش بكرامة فوق ارضهم.
أما على الصعيد الاقتصادي فالخسائر كارثية: فالفلسطينيون بمجموعهم عاطلون عن العمل، الا ثلاثين ألفù يستخدمهم عرفات في اجهزته الأمنية، وقلة يعيشون من انتاجهم الذاتي.
طاقة العمل الفعلية تذهب كيد رخيصة الى اسرائيل، وهي معطلة الآن ومنذ اكثر من شهر (تقدر بحوالى مئة ألف عامل)،
اما المزارعون، على قلّتهم، فإنتاجهم يتلف ولا يستطيعون بيعه او تصديره، في ظل الحصار القاسي الذي تفرضه اسرائيل،
الجديد ان اسرائيل بالتواطؤ مع سلطة عرفات بدأت بمصادرة التحويلات التي يرسلها الفلسطينيون العاملون في الخارج الى ذويهم في الداخل، بحجة ان هذه التحويلات او بعضها ربما ذهبت الى »حماس« بهيئاتها او عناصرها او المتعاطفين معها!
اي ان الفلسطيني الذي يعيش من قوة عمله مهدد في ظل الحصار بالموت جوعù، وكذلك الذي كان يعيش من الزراعة، او من التجارة، او من تحويلات تأتيه من بعض افراد العائلة العاملين في الخارج،
في الوقت ذاته تستمر مصادرة الاراضي، وآخر ما اقدمت عليه قوات الاحتلال الاسرائيلي مصادرة 150 هكتارù في منطقة بيت لحم بحجة شق طريق يربط بين حيين يهوديين في القدس المحتلة…
ناهيك ب»سور بيريز العظيم«!!، الذي قررت اسرائيل اقامته من ضمن خطتها لتطبيق الفصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين بإقامة شريط امني بعرض كيلومترين وبطول 360 كيلومترù، ليفصل الضفة الغربية عن الاراضي المحتلة في العام 1948.
ان تجويع شعب كامل، في معتقل جماعي، مع تكريم آلاف من ابنائه بسجنهم في معتقلات خاصة تابعة لإسرائيل او لسلطة عرفات التي يعلق بيريز عل صدرها كل يوم وسامù جديدù، داخل المعتقل الجماعي، كل ذلك ليس ارهابù، ولا يعترض عليه المشاركون في قمة شرم الشيخ…
على هذا، فلن يكون ارهابù ان تضرب اسرائيل من تشاء وحيث تشاء ومتى تشاء في لبنان،
منتهى الأمل للذين ينامون وعيونهم مفتوحة الآن، ان يكون التلويح بالضربة الموجعة مجرد غطاء للجريمة الاسرائيلية البشعة ضد شعب بكامله، لكن العالم لا يراها ولا يستنكرها لأن اسرائيل تكاد تكون نور عيونه، او لأنه لا يرى الا بعيون اسرائيلية.

Exit mobile version