روما:
قبل عشر سنوات طلب مني المناضل الراحل ستيفانو كياريني الذهاب معه الى لبنان، لأنه كان يريد تشكيل لجنة لذكرى شهداء صبرا وشاتيلا قائلاً لقد تحدثنا كثيراً عن الأمر ولم نفعل شيئاً ملموساً كي لا ينسى العالم هذه المجزرة البشعة وكي تكون عبرة حتى لا تتكرر جرائم مثيلة.
بالفعل سافرنا سوياً الى بيروت وتمت هناك لقاءات عديدة دون التمكن من وضع آلية لتحقيق مبادرة سنوية تنتج عنها مبادرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني.
قررنا أن نلتقي بجريدة السفير التي كانت تخصص صفحات لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وشرحنا الأمر للأستاذ طلال سلمان الذي وضع فوراً جميع إمكانات الجريدة وإمكاناته الخاصة تحت تصرفنا. وكانت المبادرة الأولى بعد أشهر عدة في ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا. ومع مرور السنين تحولت إلى ظاهرة أوروبية وإيطالية يرعاها عدد كبير من المسؤولين وأصحاب الرأي والأدب والمحبين للسلام، عندها تحقق واحد من أحلام ستيفانو كياريني المناضل الصحفي. وبعد وفاته قرر الذين شاركوا معه في هذه المبادرة أن يستمروا بالمسيرة كي لا ينسى العالم مجزرة صبرا وشاتيلا وتبقى وصمة عار في وجه الصمت الكبير. ووجد القرار دعم صحيفة المانيفستو التي كياريني مدير للتحرير فيها.
في كل عام ولمناسبة ذكرى وقوع المجزرة، يأتي من جميع أنحاء إيطاليا وأوروبا ممثلون عن منظمات السلام وعدد وافر من الصحافيين لإحياء هذه الذكرى التي تتحول أكثر فأكثر الى حملة تضامنية مع الشعبين الفلسطيني واللبناني ولا يشارك فيها فقط، شبان يساريون بل نواب وممثلون عن الفعاليات المدنية والروحية في لبنان للمشاركة ومقاومة نسيان الجريمة والمجرمين. وتتشكل اللجنة اليوم من عدد من الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يسلطون الضوء أكثر فأكثر على كل مجزرة ما تزال ترتكب، وأعظمها التي ارتكبتها إسرائيل في حرب تموز. يمكنني القول بأن هذا النشاط المشكور ساهم كثيراً بالتعرف عن كثب على قضية الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني في آن واحد.
ولقد افتتح، بعد ظهر السبت الماضي، المهرجان العالمي الثالث لمنح الجائزة الأدبية لشخصيات ناضلت وعملت من أجل الإنسانية. وتنظم هذا المهرجان جمعية تحمل اسم نوسترو ماريه أي بحرنا ، وتمنح كل سنة جوائز أدبية لشخصيات من خارج إيطاليا ساهمت بالتعريف بقضايا الشعوب وعملت على حث الرأي العام العالمي عليها. والجمعية مكونة من أساتذة جامعات وصحافيين وكتاب إيطاليين، وترعى المبادرة مقاطعة توسكانا وبلدية فيا ريدجذي والتي تقام فيها كل سنة.
على هامش اللقاء تحدث إلينا عضو لجنة العلاقات الدولية في البرلمان الإيطالي ياكبو فيرنيه والذي شارك في شهر أيلول الماضي في إحياء صبرا وشاتيلا، فقال إنه لا يمكن الحديث عن إنجاز الكثير من المبادرات الخاصة بدعم فلسطين ولبنان وإمكان تقديم المساعدة والعون للشعبين اللبناني والفلسطيني دون أن نتحدث عن جريدة السفير والأستاذ طلال سلمان. استطعنا إنجاز هذا العمل بمساعدته وجهده الشخصي، لا يمكننا أن ننسى معاناة الجريدة أيام الحرب، فرغم التدمير والدمار عمل زملاؤنا في الجريدة دون توقف وكنا نراهم يعملون في ضوء الشمعة.. لقد عاصرنا مسيرة السفير وإصرارها على تحدي الواقع الذي فرض على لبنان. أنا لا أنسى عناوين الجريدة الرئيسية إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 82 وأبرزها: بيروت تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء . إن تقديم هذه الجائزة لطلال سلمان هو الحد الأدنى من اعترافنا بالجميل وتقديرنا له ولعطائه.
المخرجة الألمانية مونيكا مورير هي أيضاً من مؤسسي لجنة كي لا ننسى صبرا وشاتيلا وعضو في هيئة التكريم في مدينة فيا ريجو تقول: عرفت طلال سلمان و السفير العام ,1980 وبرغم الظروف التي كانت تعاني منها الصحافة والحرب الأهلية القاتلة كان يقدم التسهيلات لأقوم بعملي السينمائي، وقد حققت عدداً من الأفلام الوثائقية بفضل مساعدة الزملاء في جريدة السفير .
كان المرحوم ستيفانو يناضل لنصرة قضية الشعب الفلسطيني وكان يبحث عن آلية تمكنه مع المحبين للسلام للاستمرار، وعندما أتى الى لبنان والتقى بطلال سلمان حقق هذه الفكرة. وبعد رحيله قررنا الاستمرار في اللجنة كي لا ننسى صبرا وشاتيلا، ولم نجد صعوبة في الاستمرار لأن جريدة السفير تستمر بوضع كل إمكاناتها بتصرفنا.
في اللقاء الحاشد في مدينة فيا ريدجو قالت شقيقة المناضل الراحل ستيفانو كياريني أنطوانياته إنها جاءت من روما للمشاركة تقديراً لمحبة شخص كان دائماً في وجدان أخي ستيفانو، وكان يقول عنه إنه صديق حميم فيه الشجاعة والعطاء .
مدير مجلة ريناشيته موريتسو موسولينو، الذي قدم الجائزة للأستاذ طلال سلمان من خلال مراسل السفير في روما طلال خريس، تحدث عن مسيرة الصحيفة الصعبة في بلد مزقته الحروب وكان بحاجة ماسة الى صحيفة جماهيرية قوية تقف ضد الحرب وضد الاستسلام. لقد أثبتت السفير أن التعاون بين الإعلاميين ممكن لتحقيق التضامن ونصرة الشعوب.
منحت في المهرجان جوائز أخرى تقديراً لعطائهم الإنساني ودفاعهم عن الفئات المظلومة. فقد منحت الجائزة الثانية للكاتب من الأورغواي إدواردو غاليانو الذي دافع عن شعوب أميركا اللاتينية ضد الديكتاتوريات ومنحت الجائزة الثالثة الى النائبة الأفغانية ملايا يويا وقد وقفت ضد حكم الطالبان واعتقلت وعذبت، واليوم تقف ضد حكم الطاغية الجديد ضد الفساد والرشوة.
طلال خريس
السفير، 9102007