طلال سلمان

فلسطين موقتة لاحتلال اسرائيلي دائم

أخيرا وبعد تفكير عميق ومرهق تفتق العقل السياسي النيّر للرئيس الأميركي جورج بوش (»صانع التاريخ« وإن لم يقرأ منه وعنه حرفا)، بالحل السحري للصراع العربي الاسرائيلي: شعب فلسطيني مؤقت لاحتلال إسرائيلي دائم!
لعله قد اهتدى الى ما ضاع عنه الأوائل بفضل المبادرات العربية التي انهمرت عليه كزخ المطر، في مناقصات مفتوحة، تعرض العلاقات الودية الحارة ومعها التطبيع الكامل في التجارة والزراعة والصناعة والسياحة والنفط والتكنولوجيا والتراث الغنائي كما في المأكل والمشرب والمازات وسائر ما يُمتع ويُغني ويُرضي المزاج في ساعات اللهو والفرفشة، وفوقها السلام والسلامة وسلامات سلامات سلامات يا حبيبنا سلامات!
آرييل شارون يستحق كل هذا وأكثر!
لعل الله قد زاده علما بعد كل ما سمعه من فصحاء العرب المؤمنين بعدالة قضيتهم والمقنعين بشروحاتهم القاطعة ومعلوماتهم الجامعة ومواقفهم المانعة، فاكتشف أن شعب فلسطين ليس عنصرا ثابتا في المعادلة، بل هو عنصر طارئ أو عابر، شأنه شأن القبائل الرُحّل، يعشق التجوال ويكره الاستقرار في مكان واحد، يؤمن بقول الشاعر الذي يفيد أن بلاد الله واسعة وبأن بوسع أي إنسان (أو شعب) أن يبدل أحبابا وأوطانا!
وعبثا سيحاول الأمير سعود الفيصل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النتائج الباهرة للقاءات الحميمة في »المزرعة« بين عمه ولي العهد السعودي والرئيس الأميركي، فإذا كان أهل مكة أدرى بشعابها فإن جورج بوش أدرى بشعاب فلسطين وجبالها وهضابها والمخيمات ما أبيد من أهلها منها ومن ينتظر الإبادة.
انطلاقا من هذه الدراية ابتدع جورج بوش الحل الذي لم يهتد إليه الأولون ولا الآخرون: دولة مؤقتة لفلسطين في ظل الاحتلال الاسرائيلي الدائم، وإن كان يمكن التفاوض حول شروطه بعد عشر سنوات، على الأقل.
»دولة مؤقتة« قوامها أرض مقطعة كعش النحل، بين كل مدينتين فيها، وبين كل قرية وجارتها، وداخل كل مخيم ومن حوله، سور من الدبابات وحواجز ثابتة وأخرى طيارة، والكل تحت رقابة الحوامات، وفي كل مكان أسراب من الجراد الفولاذي تنهش لحم المخيمات والقرى والمدن وفرق الإعدام تجوس داخل النوايا والأحلام فتعتقل كل من تكتشف أو تقدّر أو تخمن أو تشتبه بأن في دمه مواد متفجرة.
دولة مؤقتة! إنها بدعة لم يسمع بمثلها أحد!
دولة مؤقتة لا علاقة لها بالأرض أو بالناس… كل ما غيرها ثابت ودائم، وهي فقط المؤقتة، أي الطارئة والتي يمكن أن ينتهي »دورها« أو تنتفي الحاجة إليها في يوم، في شهر، في سنة!
ولأنها مؤقتة فهي لا تحتاج إلى أرض محددة، ولا مؤسسات دائمة كالجيش (والعياذ بالله)، ولا هي تتطلب ترف »الاستقلال« و»السيادة«، ولا أن تتحمل هموم الاقتصاد والنقد والتخطيط والعلاقات مع الغير. لسوف تتبرع اسرائيل آرييل شارون بأن تتحمل عنها هذه الأعباء جميعا.
ولأنها مؤقتة فلا ضرورة لتحديد هوية شعبها، إذ لا علاقة لها به ولا علاقة له بها… إنها »حلم ليلة صيف«!
والكلمة الآن لسلاطين العرب الذين توافدوا على واشنطن متزاحمين بالمناكب، وشاركوا في مناقصات مفتوحة، بينما كانت »السلطة« تنزل دائما تحت آخر مناقصة فتجهر بموافقتها على الأقل والأدنى والأدنى حتى ألغت الحاجة إليها أو تكاد!
إن هذا العرض الأميركي السخي يعني، ببساطة، أن كل الكيانات العربية القائمة، بشعوبها وأنظمتها والسلاطين، هي دول مؤقتة، يتقرر دوام كل كيان منها (وكل نظام) بقدر ما يخدم دوام الاحتلال الاسرائيلي.
والتهديد الأميركي بالخريطة الجديدة للمنطقة معلن وقديم جديد ومفتوح دائما!

Exit mobile version