طلال سلمان

فلسطين لا حكومة

ابتسمت الدكتورة حنان عشراوي وهي تسمع من يسألها في بيروت عن قدرة غزة على الصمود في وجه الحملة العسكرية الإسرائيلية الجديدة عليها. قالت: بداية، لم تكن غزة في أي يوم خارج دائرة الحصار الإسرائيلي، براً وبحراً وجواً. والانسحاب الإسرائيلي منها خرافة، فما زالت في قلب دائرة النار. لقد خرجت إسرائيل من قلب غزة فقط، وأجلت أعداداً من المستوطنين الذين كانت حراستهم وتأمين مستعمراتهم والطرق إليها مكلفة.
وقاطعتها صديقة ظلت معها حتى غادرت عائدة إلى رام الله، فقالت: أعتذر للمقاطعة، ولكنني سمعت بالأمس فقط ما يمكن أن يجيب على السؤال، لقد اتصلت ببعض أهلي في غزة ليلاً، لأطمئن عليهم، وبالكاد سمعت صوت من أحادثه.. كان ضجيج بقربه يكاد يمنعني من سماعه.. وأفترض أن قذائف القصف الإسرائيلي كانت تتفجر من حوله، ولكنه أبلغني ضاحكاً حين استوضحت الأمر أن عرساً يُعقد في الدار، ولانقطاع الكهرباء واستحالة الاستماع إلى الشرائط الموسيقية فقد جاءت فرقة بلدية بطبولها والصنوج لإحياء الفرح .
عادت حنان عشراوي إلى الحديث فقالت: كان القرار الإسرائيلي واضحاً دائماً وهو إغراق غزة المعزولة عن العالم في بؤس يشغل أهلها عن قضيتهم ويؤجج الصراع بين الجبهات والفصائل والقوى المسلحة فيها. كان الهدف الإسرائيلي واضحاً دائماً: أما وأنها لم تستطع أن تقص غزة وتفصلها عن سائر أرض فلسطين لتلقيها في البحر، فإنها ستواصل حصارها ودكها وإعمال آلة قتلها فيها مستدرجة الفتنة التي وحدها قد تشغل الغزاوزة عنها..
وتوالت الأسئلة حول ما يمكن أن تؤدي إليه الحملة الإسرائيلية الجديدة من نتائج، فقالت حنان عشراوي: لعل أهم تطور عصم غزة من الفتنة أن الرئاسة والحكومة، أي فتح وحماس، ومعهما سائر الجبهات، قد توافقوا على وثيقة الأسرى عشية الحملة العسكرية الإسرائيلية. هذا التوافق أدى عملياً إلى تصليب الجبهة الداخلية. إن الجميع في المركب ذاته، وهم محكومون بالتضامن لمجابهة العدو الذي في هذه اللحظة لا يميّز بين معتدل و متطرف . على أن علينا نحن الفلسطينيين أن نترجم هذا التضامن في صيغة سياسية جدية وقابلة للصمود في وجه التحديات كما في وجه المناورات الهادفة إلى بعثرة صفوف الفلسطينيين.
تفرّع الحديث إلى جوانب متعددة للصراع، فعادت الدكتورة عشراوي إلى شرح المخطط الإسرائيلي: ما يجري في غزة هو بعض الصورة، أما ما يجري ويدبّر في الضفة، للقدس تحديداً وللأغوار، فإنه يكمل المشهد بمخاطره غير المحدودة. لقد استغلت إسرائيل الحملة على غزة لكي تنزع هوية القدس عن النواب والوزراء المقادسة المنتمين لحركة حماس، وهي تواصل خطتها لإسقاط الوضع الخاص الذي كان للقدس الشرقية. إنها، عملياً، تؤسرلها بخطوات مدروسة. ثم أن إسرائيل قد وضعت يدها على منطقة الغور . عزلتها عن سائر أنحاء الضفة، ومنعت على غير المسجلين فيها دخولها، مع العلم أن مجموع المسجلين كمواليد في الغور لا يزيدون على 12 ألفاً، وأن آلافاً من الفلسطينيين لهم أملاك فيها، بالإرث أو بالاستثمار. كذلك فقد استولت إسرائيل، مع إقامة جدار الفصل العنصري، على 46 في المئة من أراضي الضفة الغربية، أقطعتها للمستعمرات التي تعمل على توسعتها يومياً..
كان الجميع يتابعون بصمت هذه المعلومات الجديدة عليهم.. ثم جاءهم استنتاج حنان عشراوي ليزيد من ذهولهم: ليست مبالغة أن نفترض أن إسرائيل تريد أن تدفع الفائض من أهل الضفة الغربية في اتجاه الجليل لتحصر وتحاصر جميع
الفلسطينيين في معزل ثان، مطوّق بالنار كما غزة.
? ? ?
لا خطر على فلسطين الموحّدة. الحملة العسكرية الإسرائيلية تزيد من صلابة الوحدة، طالما اعتمدها القادة السياسيون عنوان الحاضر والمستقبل.
الخطر في تشقق الفلسطينيين عبر الصراع الممجوج على سلطة على شعب من الأسرى، تضيق عليهم مساحة السجن يوماً بعد يوم، ولا يزيد من اتساعها أن يتعاركوا في ما بينهم على المواقع..
وإذا كان إسماعيل هنيّة يفترض أن هدف الحملة الإسرائيلية هو إسقاط حكومة حماس، فإن ما ينتظره العالم من هنيّة ومن حماس أن يلتفتوا إلى تدعيم الوحدة في الحكومة، وفي منظمة التحرير، مع ما يقتضيه ذلك من تعديلات وتوافقات تفرضها ضرورة المواجهة بوعي مع المخططات الإسرائيلية التي تحصد التنازلات التي تضعف شعب فلسطين ثم لا تعطي شيئاً.
لقد بدأت حركة التضامن، شعبياً ورسمياً، في إسماع صوتها… وهي مؤهلة للتوسع يومياً، والقاهرة مركز مؤثر، ولسوف تتبعها سائر العواصم.
ويمكن اعتبار دعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد الثمرة الأولى لهذا التضامن الذي سيمتد ليشمل العرب والمسلمين والدول التي لم يعطل إرادتها الضغط الصهيوني بعد.
لكن الأساس: وحدة فلسطين.
وجريمة أن يفرّط بها الغرض أو سوء التقدير أو الصراع على السلطة في السجن… عندئذ تكون القيادات الفلسطينية قد أهدت إسرائيل النصر السياسي الذي لم تستطع تحقيقه بالحملة العسكرية.
طلال سلمان

Exit mobile version