طلال سلمان

فلسطين عراق على مذبح منتدى اقتصادي في شونة

اكتشف بعض المسؤولين العرب فجأة المنتديات الدولية، ومؤتمرات الحوار، التي كان بعضهم يشاركون فيها كشهود زور، فقرروا »استيرادها« في جملة ما يستوردون، بضيوف من ذوي الأسماء اللامعة، سواء في السياسة أو في الاقتصاد، بغير تحرج، وبغير تعصب ذميم، سواء أكان »قومياً« أم »دينياً«.
يكون »الانفتاح« كاملاً أو لا يكون…
وهكذا وجد »القطاع الخاص« فرصته لأن يتقدم على »الحكومات« التي طالما استرهنته أو ابتزته: فالزمن زمنه، وقد ولى عهد »القطاع العام« والتخطيط، وأحلام التصنيع والجمارك، وحمايات الإنتاج الوطني، وما الى ذلك من قيود وسدود كانت تمنع التواصل والالتحاق بركب التقدم، تحت ذرائع من نوع »الاستقلال« والسعي الى »الاكتفاء الذاتي« منعاً للهيمنة الأجنبية على القرار السياسي من خلال الاقتصاد إلخ..
وبديهي أن يكون »ضيوف الشرف« في منتدى كمثل الذي يقام سنوياً في منتجع الشونه على البحر الميت، الذي يشهد أرقى أشكال الشراكة بين الأردن وإسرائيل، من أصحاب الدور الحاسم في تقرير المصائر في هذه المنطقة، وبالذات منهم السيد الأميركي والسيد الإسرائيلي..
في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وقف الحاكم »المدني« باسم الاحتلال العسكري الأميركي للعراق، مزهواً بإنجازه، يتقبّل من »مضيفيه« العرب التهاني على »تحرير أرض الرافدين«، ويصدر إليهم أوامر التكليف بالمساهمة في إعادة إعمار العراق ليكون نموذجاً يحتذى في الديموقراطية وحقوق الإنسان في »صحراء القمع العربي«..
كان يرتدي حذاءه العسكري، أما صوته فقد ارتدى نبرة صاحب الأمر والنهي… والتف حوله »المسؤولون« العرب المبهورون بالإنجاز الأميركي يتملقونه واحداً واحداً، بانكسار المذنب الذي يخشى أن يكون التالي على قائمة »المشبوهين« أو المشكوك في ولائهم، متعهدين بتنفيذ ما يؤمرون به لتسهيل مهمة الاحتلال وتقديمه إلى الناس كمكرمة أميركية قابلة للتكرار حتى يكون للعرب غدهم الأفضل.
كان العراق المذبوح يتخبط بدمه أمام عيونهم، لكن »الأهل« كانوا في شاغل عنه… خصوصاً أن من أتى بهم بريمر لتمثيله من »الشخصيات« و»الخبراء« و»الوجاهات السياسية« اتخذوا موقع الهجوم الوقائي المسبق على »العرب« الذين قصروا في منع »الطغيان« من حكم العراق، ثم قصروا في المساعدة على خلعه، وبالتالي فلا حق لهم في المشاركة أو حتى في إبداء الرأي في مستقبله الذي سيجعله »المحرر الأميركي« زاهراً وزاهياً ومزدهراً كما الأحلام..
وكان على العرب، بمن فيهم الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن يتلقوا دروساً في »الوطنية« من زيباري وبحر العلوم وعلاوي وحافظ، بكل تلاوينهم السياسية التي توحدت في ألوان العلم الأميركي..
أما فلسطين فكانت قد اختطفت من أرضها لتبحث في لقاءات رباعية، ترأسها جورج بوش شخصياً، صاحب الرؤيا التي لم تصمد إلا لشهور قليلة فتاهت منه وتاه عن خريطة الطريق إليها، وكان على »أبي مازن« أن يدفع ثمن الضياع، في حين أن شارون أعاد رسم »الخريطة« بمدافعه وصواريخ حواماته والطائرات الحربية.
هذه السنة كان الدور على إسرائيل، مباشرة، لكي تؤدب العرب جميعاً بالفلسطينيين، مستفيدة من تجربة الأميركيين في »تحرير« العراق… فمن يقبل أو يغض الطرف عما قامت وتقوم به قوات الاحتلال الأميركي في الفلوجة وبغداد والرمادي والنجف وكربلاء والكوفة والعمارة والديوانية والبصرة، بالبشر فيها، نساء وأطفالاً وشيوخاً ورجالاً، والمقدسات من العتبات المقدسة ومقامات الأولياء إلى المساجد إلى البيوت، لن يشتد في اعتراضه على ما يقوم به الجيش الإسرائيلي (المحتل هو الآخر) في غزة وخان يونس ورفح التي تستشهد بيوتها بالعشرات على مدار الساعة.
وماذا أن ينضم ألف إنسان من أهالي رفح، إلى 17594 مواطناً فلسطينياً دمرت إسرائيل منازلهم، خلال الانتفاضة في غزة وحدها؟!
لا يهم أن إدارة جورج بوش في أزمة داخل بلادها، خصوصاً بعد انفجار فضائح التعذيب الوحشية في سجن أبي غريب، التي بات ثابتاً أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد كان يتلذذ بالفرجة على صورها المخزية للجيش المحرِّر.
ولا يهم أن حكومة السفاح شارون تعاني من سلسلة من الأزمات، سواء داخل حزبه، أو في مجتمعه، كما في علاقاتها الدولية، لا سيما مع الاتحاد الأوروبي.
ولا يهم أن الإسرائيليين خرجوا، أمس الأول، بعشرات الألوف إلى الشارع يتظاهرون ضد هذه الحكومة التي تخاف من تكرار تجربة لبنان في غزة، فتحاول أن تدمر هذا الشريط الساحلي الضيق الذي يحتشد فيه أكثر من مليون ونصف مليون من الفلسطينيين، معظمهم من المقتلعين من أرضهم داخل فلسطين خلال نكبة 1948 أو بعد هزيمة 1967، والمحاصرين الآن بلا منفذ ولا مصدر للغذاء أو الدواء، فضلاً عن المساعدات الأخرى التي أوقفها العرب حتى لا يوقع عليهم شارون العقاب..
كل ذلك لا يهم »عرب المنتدى« ولا يؤثر فيهم، فليس لهم أن يتدخلوا في الشؤون الداخلية الأميركية، ولو عبر توجيه لوم لطيف إلى جيش الاحتلال وقيادته ووزيره ذي وجه الذئب، المتلذذ بصور التعذيب والإذلال المتعمّد لإنسانية المعتقلين العراقيين..
كذلك فليس لهم أن يتدخلوا في »الشؤون الداخلية« الإسرائيلية فيقولوا في شارون بعض بعض ما يقوله الإسرائيليون فيه … وهذه بعض النماذج المقتطفة من مقالات لكتاب الافتتاحيات في الصحف الإسرائيلية:
؟ »لم يكن بين زعماء إسرائيل من بذّر مثل شارون، بسخرية مستخفة ومثابرة كهذه، الزمن الذي خصصه له الناخب. لم يكن هناك من فوّت مثله، سنة بعد سنة، كل فرصة للتغيير، كل حوار لوقف العمليات، كل خطة سياسية، كل ثغرة خروج من وضع سفك الدماء… بدل الرؤيا تلقينا من شارون ومن موفاز مختبر تجارب حربية..«.
؟ »في منتصف أيار 2004 لم يعد شارون رئيس الوزراء، وهو على ما يبدو لا يعرف ذلك بعد. ومع ان دولابه لا يزال يدور بقوة القصور الذاتي، إلا ان التيار الكهربائي قد انقطع. الصحافيون يطيب لهم ان يصفوه في الأيام الأخيرة بالوزة العرجاء. شارون؟ هو دب ثقيل الحركة، لم يعد بوسعه الركض والافتراس، وهو هدف سهل للصيادين..«.
؟ »لن ننجح أبداً في هضم قطاع غزة داخل إسرائيل«.
؟ »رياح لبنان التي ملأت حياتنا في الثمانينات وأساساً في التسعينات تعود هذه الأيام بقنوات عدة. التعبير المنسي للبننة يحظى بحياة متجددة. خيوط من الذكرى تمتد بين غزة ولبنان. غزة آخذة في التحول إلى لبنان..«.
؟ »وجه الشبه بين غزة ولبنان ان إسرائيل تريد الخروج وغير قادرة عليه..
»ثمة بالطبع فوارق، في غزة توجد مستوطنات طبيعتها انها تحوّل كل شرك بسيط إلى شرك معقد.. ولهذا فإن شرك الضعف في غزة صعب على الحل أكثر بكثير من شرك الانسحاب من لبنان«.
* * *
العرب في »المنتدى الاقتصادي الدولي« يستجمون، ويستمتعون بالشراكة الأردنية الإسرائيلية في البحر الميت وفي التجارة والسياحة ومشاريع الانتاج المشتركة،
وكولن باول يطمئنهم: لا أعتقد ان أحداً يستطيع ان يتنبأ الآن بما إذا كنا سنتمكن من تحقيق موعد 2005 (الدولة الفلسطينية) أم لا. بصراحة يجب علينا الانتظار لنرى ما هو الاقتراح فعلاً.
أما بالنسبة للعراق فباول أكثر صراحة: ستبقى قواتنا هناك لفترة طويلة بعض الشيء لتوفر الأمن للحكومة العراقية المؤقتة وضمان اجراء انتخابات.. حرة!
وأما نائب رئيس حكومة شارون، ايهود أولمرت فيطمئن »مضيفه«: لا تنوي إسرائيل قتل عرفات، غير ان موته سيكون تطوراً ايجابياً جداً.
… ولقد صفق »المضيفون« العرب لكل ما قاله الضيفان الكبيران، عملاً بكرم الضيافة التي اشتهر بها العرب منذ حاتم الطائي وحتى يومنا هذا حيث يقدمون بلادهم على مذبح الوفاء للصديق، بغض النظر عن دينه وقوميته ولونه وجنسه.
أليست هذه صورة مصغرة عن القمة التي عاد فأمر بعقدها جنرال تونس بعد أسبوع؟!
حمى الله من تبقى من الفلسطينيين والعراقيين وسائر العرب من شر القمم العربية ومعها المنتديات الدولية!

Exit mobile version