طلال سلمان

فلسطين: بها يكون العرب او لا يكونون!

تعب الموت من الفلسطينيين ولم يتعبوا..

هم كل يوم، وعلى مدار الساعة، في الساحات والشوارع، “يطاردون” جنود العدو الاسرائيلي هاتفين بحقهم في ارضهم، يتصدون لهم بصدورهم العارية وبحجارة الجهاد المقدس… يسقط الجرحى وقد يسقط الشهداء، فيحملهم بعض المجاهدين إلى المستشفى، إذا ما تيسر فيه مكان، ثم يعودون ليكملوا المسيرة، مؤكدين، بدمائهم، حقهم في ارضهم.

بعد المذبحة، كل مذبحة وأي مذبحة، يخرج رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ليصول ويجول في ارجاء الوطن العربي، تُفتح له ابواب العواصم التي كانت مغلقة “بالتضامن” مع شعب فلسطين، وهو اضعف الايمان ـ ويستقبله الملوك والسلاطين والرؤساء (سراً في الغالب وعلنا فيما ندر) ـ فيتباحثون معه ويناقشون شؤون المنطقة ومستقبلها (باعتباره طرفاً مؤثراً فيه.. ربما اكثر من اهلها)… ليحصلوا على شهادة حسن سلوك من واشنطن لعلهم ينالون بعض القروض التي ترجئ تفجر الازمات الاقتصادية والاجتماعية في بلادهم، ثم يعودون بصورهم مع “رئيس الكون” الذي لن يتردد عن اهانتهم في بعض تصريحاته العلنية..

ماذا ربح سلطان عُمان من استقبال رئيس حكومة العدو؟.

لا هو قاتل في فلسطين، وليست لسلطنته “حدود مشتركة” مع “دولة العدو الاسرائيلي”، وهو بعيد عنها بما يكفي بحيث لا تطاله صواريخ عدوانها ولا يمكن أن تصل اليه قوات “جيش الدفاع الاسرائيلي” الذي يقاتل على مدار الساعة “اشقاءه” العرب في فلسطين، ويدمر مدنهم، ويهدم قراهم ليبني على انقاضها مستعمراته لتستوعب المزيد من المستوطنين الجدد الذين كانوا في ارضهم فهجروها وسافروا آلاف الكيلومترات ليأتوا فيستعمروا بلاد الشعب الذي كان دائما شعبها، والذي اعطاها اسمها فلسطين من قبل أن تكون بلادهم الاصلية بلادهم ودولهم؟

من حق نتنياهو، بالتالي، أن يتباهى بأن البلاد التي لم تكن في أي يوم بلاده، قد باتت “صديقة” لدول المنطقة، وان العديد من الدول العربية، في الجزيرة والخليج وخارجها قد استقبلت موفدين اسرائيليين وأنها وافقت على استقبال سفارات او قنصليات دبلوماسية اسرائيلية فيها.

لم تعد دولة العدو الاسرائيلي “تجامل” اصدقاءها من مسؤولي الدول العربية، بل هي تتحدث عنهم “كحلفاء” في مواجهة من ما زالوا يعتبرونها “العدو” العنصري، والمحتل بالقهر ارض الشعب الفلسطينيين ومصادرة حاضره ومستقبله.

وهكذا فان نتنياهو يتباهى بان اسرائيل قد كسرت الحصار العربي وبات لها “وجود حقيقي” في بعض دول الجزيرة والخليج، بل أن لها فيها “اصدقاء” تعتز بهم ولا يخجلون من هذه العلاقة.

لقد اسقطت اسرائيل، بالضغوط الاميركية اساسا والغربية عموماً، وتواطؤ بعض المسؤولين العرب، كل مقترحات الحلول الجزئية “للقضية الفلسطينية”، برغم انها ظالمة وتتجاهل اساس الموضوع وتقفز من فوق حقيقة أن اسرائيل كيان محتل، وان شعب فلسطين هو صاحب الارض وليس “مستوطناً” جيء به اليها، ولا هو لجأ اليها هربا من جيران ارضه،

أن الولايات المتحدة الاميركية، التي مساحتها بحجم قارتين او أكثر، تقفل حدودها في وجه المهاجرين من بعض دول اميركا اللاتينية وتنذرهم بالقتل أن هم تجاوزوا حدود بلادهم اليها.

كذلك فان دول أوروبا الغربية تطارد بالرصاص او الاعتقال من يتجاوز حدود هذه الدولة او تلك من دون اذنها..

بل أن معظم البلاد العربية تطارد فتعتقل وتسجن من “يخترق” حدودها المحصنة هرباً من جلاوزة النظام الدكتاتوري في بلاده، ومحاولة النجاة بنفسه من جلاديه.

فلماذا يجاز لدولة العدو الاسرائيلي ما لا يجاز لغيرها فتطرد أهل الارض، الذين كانوا على امتداد التاريخ اهلها، و”تستورد” غيرهم من أربع رياح الارض لتقطعهم بالقوة ارض الذين عاشوا فيها ولها وبنوها وماتوا فدفنوا فيها؟!

بالمقابل فان الدول العربية، لا سيما ذات الثروات الخرافية، نفطاً وغازاً، تمنع تأشيرات الدخول عن “الاخوة” من رعايا الدول الأخرى، وبالتحديد الفلسطينيين منهم.. الا إذا مكنتهم العناية الالهية من الحصول على الجنسية الاميركية او اية جنسية غربية! يعني انه على “المواطن الفلسطيني” المطرود من بلاده ظلماً وتعسفاً أن يُنكر فلسطينيته كشرط لدخول جنة الخليج العربي بكل دوله المذهبة.

*****

لن تنطفئ شعلة فلسطين التي تغذيها دماء شهدائها يومياً..

ولن تستطيع دول العدوان والبغي أن تطمس القضية المقدسة مرتين، مرة بموقع ارضها الطاهرة، ومرة ثانية بهذا الحشد من الشهداء الذي يتقدم ـ عاريا الا من ايمانه بحقه في ارضه ـ من جنود العدو الاسرائيلي فيخافونه وهو أعزل حتى قتله رميا بالرصاص.

لقد دفع العديد من القادة العرب من حياتهم ثمن خيانة فلسطين والتفريط بمقدساتهم، اولهم الأمير عبدالله الشريف حسين، الذي “عينه” البريطانيون اميراً على شرقي الاردن، حتى اذا وقعت النكبة في العام 1948 جعلوه ـ بالتواطؤ مع اهل النظام العربي ـ ملكاً بأن ضموا إلى امارته الضفة الغربية لنهر الاردن… لكن خيانته اودت به قتيلا عند خروجه من المسجد الاقصى في القدس..

ودفع عدد آخر من القادة العرب، مدنيين وعسكريين، حياتهم جزاء خيانتهم فلسطين، في بلادهم او في انحاء أخرى من الوطن العربي..

فقضية فلسطين اكبر من الملوك والرؤساء مجتمعين.. اقوى من الانظمة، ملكية وجمهورية فكيف بالمشيخات التي صيرها النفط او الغاز دولاً تقاتل اهل اليمن وليبيا وسوريا (ولبنان، ومصر أحيانا) لحساب الاجنبي وضمنه العدو الإسرائيلي.

قضية فلسطين في الغد: تكون فيكون العرب وتختفي ـ بالقوة وحرب الابادة والتنكر العربي ـ فيذهب المستقبل العربي جميعاً، بالدول الكرتونية القائمة الآن بالحماية الاجنبية ولخدمة مصالح الاجنبي على حساب وحدة الامة وحقها في ارضها وفي السيادة والاستقلال.

فلسطين هي عنوان المستقبل العربي.. بها نكون ومن دونها لن يكون ثمة عرب، بالمعنى السياسي، على هذه الارض، وانما مجموعة من القبائل والعشائر ولا أتباع الناطقين باللغة العربية..

تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

 

 

 

Exit mobile version