طلال سلمان

فضيحة سياسية اردنية

بالأمس كانت الفضيحة العائلية هي الخبر، أما اليوم فالخبر هو الفضيحة السياسية التي أطلقها مجلجلة الموقف الهجومي للنظام الأردني ضد حليفه القديم صدام حسين.
ها هو »الخدين« الملكي يغادر، بدوره، السفينة المثقوبة القعر، تاركù »خاطفها« يواجه مصيره البائس وحده.
ولن يجد صدام حسين ألقابù خيانية تكفي ليرمي بها كل هؤلاء الذين يفرون من بيته أو يتخلون عن »التحالف« معه، وآخرهم وأخطرهم هذا المليك الهاشمي الذي كان يوفر له الثغرة الأخيرة للتنفس في جدار الحصار الخارجي والعزلة الداخلية.
وإذا كان الصهر العزيز حسين كامل، قد تحول إلى »يهوذا«، وانتهى ائتمانه على العرض والمال باتهامه العلني بالسرقة إضافة إلى الغدر والخسة و… فماذا عن رفيق السلاح في »أم المعارك« والداعية المفوَّه للنظام المغامر وحامي مؤخرته وجسره اليتيم إلى العالم؟!
لا يكفي القول إن الملك قد وجد في الفضيحة داخل بيت صدام ما يشغل به ناسه في الأردن عن مخاطر تحالفه الجديد المفروض والمعزّز بالتحصينات الاضافية يوميù مع الكيان الصهيوني.
الأمر، كما توحي به الرسائل الأردنية المتعددة الوجهات، أخطر من ذلك بكثير.
لعل الملك قد وجد، أخيرù، فرصته الذهبية لكي يعود إلى الجزيرة والخليج من الباب الذي خرج أو أخرج منه قبل خمس سنوات: العراق.
إنه يستطيع الآن أن يتقدم الصفوف ناسبù لنفسه شرف إنجاز ما عجز الآخرون عن إنجازه: لقد نقل الحرب إلى داخل غرفة نوم صدام حسين في حين ما يزال السلاطين في الجزيرة العربية والخليج يقاتلون من مواقع دفاعية وهم يرتعدون خوفù.
إنه بهذا يتقدمهم إلى البيت الأبيض الأميركي ويحصّن سابقته في تقدمهم إلى الصلح مع الإسرائيلي، مؤكدù الآن وأكثر من أي يوم مضى أنه الجسر الإجباري نحو »الشرق الأوسط الجديد«!
ولعل ردّ الفعل الفوري قد صدر عن ياسر عرفات حين قبل، مرة أخرى، باتفاق غير مفهوم، ومهين بكل المعايير، إضافة إلى أنه غير قابل للتطبيق، هذا إذا ما افترضنا أن الإسرائيليين سيلتزمون به مع أن سوابقهم لا تطمئن قلقù ولا تضمن مصير »الشريك« بالإذعان!
هل استفاق الثأر الهاشمي النائم مبدِّلاً، كالعادة، تحالفاته في اتجاه الأقوى والأبقى؟!
وهل يكون الملك، مرة أخرى، طليعة هجوم جديد على الجزيرة والخليج لينتظم في طابوره الآن الأميركيون والإسرائيليون الذين أوحوا وكأنهم مختلفون حول الفوائد التكتيكية للحوار مع صدام حسين؟!
وهل المستهدف الفعلي، في النهاية، هو النظام العراقي المهزوم أم القيادة السورية الصامدة؟!
إن الهاربين والوجهة التي اتخذوها لهربهم والجهة التي أسبغت عليهم حمايتها، كل ذلك لا يطمئن إلى التغيير المحتمل الذي يبشّر به النظام الأردني وكأنه واقع غدù في العراق…
فالتغيير المرتجى لا يجيء من دهاليز القصور الأمبراطورية لصدام حسين، ولا يتخذ طريقه إلى بغداد عبر عمان واشنطن تل أبيب، أو واشنطن تل أبيب عمان، وهذا هو المرجح.
لم تعد عمان، مع الأسف، طريق بغداد إلى العرب، بل صارت طريق الإسرائيليين إلى العرب عبر »البوابة الشرقية« التي ادعى صدام حسين أنه قد أقفلها ليحمي العروبة ومستقبلها، فإذا به في النتيجة لم يفعل غير تشريع الأبواب جميعا لمخاطر جدية مرعبة تهدد الوجود ذاته وليس المستقبل فحسب.
وبين »يهوذا« و»بيت أبي سفيان«، بين الدم والفضيحة، يخيَّر العراقيون المفروضة عليهم الهزيمة والمحاصرون بالجوع، والمدمرون بالاقتتال الأهلي في ظل الحماية الدولية.
واستمرارù مع التشابيه »الملكية« التي تتبارى عمان وبغداد في تبادلها الآن، يبدو أن العراق مرشح لأن يبقى زمنù طويلاً على »الصليب«.
وجو الأخبار يوحي بأن صلبانù أخرى تُرفع في هذه الأرض المفتوحة لكل أعدائها.

Exit mobile version