طلال سلمان

فضيحة اكبر من اسرائيل

تقترب نتائج الانتخابات الاسرائيلية من ان تكون زلزالا كونيù!
لكأن انفجارù حصل في مركز الدائرة، دائرة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد فكشف هزاله وتداعيه وعدم قابليته للحياة.
الفضيحة أكبر من ان تكون اسرائيلية،
الفضيحة باتساع العالم: تبدأ بواشنطن (روما الجديدة؟) وتخترق أوروبا وبعض آسيا وافريقيا لتدوي أخيرù على امتداد الارض العربية، من المغرب الى سلطنة عمان!
والأمر واحد من اثنين: أما ان الدهاقنة الحاكمين، ومعهم أجهزة مخابراتهم ومراكز الدراسات، كانوا جهلة وأغبياء فخدعتهم شخصية شمعون بيريز وبنوا سياساتهم ومخططاتهم الاستراتيجية على عبقريته وعلى قوة تمثيله لاخطر دولة في أخطر منطقة، وطبيعي بالتالي ان يفجعهم »هزاله« وان تصدمهم خيبته (وهي متأصلة فيه وليست طارئة عليه)…
.. واما ان هؤلاء الدهاقنة قد فوضوا أمرهم للرئيس الأميركي، لضعفهم ولركالة أوضاعهم هم وليس بسبب من كفاءة استثنائية فيه أو حكمة أو استشراف، او ربما كتواطؤ للتعجيل بكشف الوهم المتمثل في »القطب الأوحد« وعجزه عن ادارة شؤون الكون، خصوصù وانه لم ينجح تمامù في ادارة شؤون بلاده: الأغنى والأقوى والأعظم نفوذù في العالم جميعù.
الفضيحة، أساسù، أميركية،
ماذا سيقول بيل كلينتون لكل أولئك الذين جاء بهم الى اسرائيل أو من أجلها مرتين خلال شهور قليلة لكي يراهنوا معه ويدعموا (ويصوتوا) لشمعون بيريز بوصفه رجل المستقبل والوكيل الاقليمي المظفر للنظام العالمي الجديد وبطل مشروع السلام الأميركي في المنطقة؟!
ماذا سيقول بيل كلينتون للأميركيين أنفسهم وقد كلفهم بيريز الكثير من مالهم ومن سمعة بلادهم ومن رصيدها وهيبتها وحق الامرة على الآخرين؟!
لقد بدا في لحظة، ومن خلال موقف كلينتون، وكأن العالم كله يربط مصيره بشخص شمعون بيريز، فاذا ما فشل ضرب الانهيار الاقتصاد العالمي والامن العالمي والسياسات الدولية جميعù.
وها هو العالم في ذهول الآن، لا يكاد يصدق ما جرى في تل أبيب، ويعيد اكتشاف اسرائيل التي يعرفها »الجميع« وتعرفهم، وليست غامضة أو مغلقة عليهم وحبلى بالمفاجآت كالعديد من العواصم العربية.
لم يهزم شمعون بيريز وحده،
لقد هزم معه كل الذين راهنوا عليه (وبين العرب ثمة من ربط مصيره به!) وتبنوه واعتمدوه فارسù اوحد »لمرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي«، أقله في الشرق الاوسط، بوصفه بطل السلام الاتي من ساحة الحرب بحكمة »صانع التاريخ« الجديد.
هزمت معه اسطورة ان يتمكن »المعتدل« من قيادة مجتمع مبني على التطرف وتحقيق اهدافه بالقوة، وان ينجح »العلماني« الدجال في الانتصار على »الاصولية الدينية« الصريحة في طروحاتها وفي عدائيتها للآخرين (حتى داخل مجتمعها)..
وهزمت، في جانب آخر، نظرية المراهنة على فرد مفرد لتغيير الكون!
ان النظام العالمي الجديد وهم اصطنعه الخوف من الأقوى، وها هو يتهاوى مخلفù وراءه الفوضى والاضطراب والقلق، وربما ايضù الاحساس بضرورة اعادة النظر في كل ما اعتبر بديهيات منذ »عاصفة الصحراء« وحتى اليوم!
وفي اي حال فان بدعة النظام العالمي الجديد قد اصطنعت بالمال العربي والدم العربي والاقتتال العربي والانكسار العربي فوق الارض العربية، وها هي تتصدع وتندثر على ايدي الدولة التي قامت على الأرض العربية »بفضل« الهزيمة العربية والتي بنت اسطورة جبروتها بفضل الانكسار العربي.
لقد ذهب النظام العالمي الجديد مع »بطله« جورج بوش، الذي قنص اللحظة المناسبة، تاريخيù، لاعلان مسؤولية واشنطن عن الكون..
وها هي رصاصة الرحمة على ذلك المشروع الأمبراطوري الهائل تجيء من واشنطن ذاتها ومن مسدس إسرائيلي.
وبعد الزلزال الإسرائيلي ستتغير سياسات كثيرة في العالم: في أوروبا، في آسيا، في أفريقيا، وحتى في بعض الأنظمة العربية التي كثيرا ما تبدت وكأنها مستعصية على التغيير،
أول الفضيحة في تل أبيب، لكنها ممتدة وستتوالى فصولها الدراماتيكية لتبدل ما كان يفترض أنه سيكون المشهد العالمي في نهايات القرن العشرين.
فلائحة المهزومين مع شمعون بيريز طويلة جدا إلى حد يسمح بتصور واقع دولي مختلف جدا خلال فترة قصيرة نسبيا.
ولعل شمعون بيريز قد حُمِّل فوق ما يطيق، وعُلِّقت عليه آمال لا يستطيع أن يحققها أي جبار، ولذلك جاء سقوطه مدويù ومن طبيعة كونية!!
وإذا كان »الآخرون« يستطيعون الاستدراك وتعديل مواقفهم بسرعة نسبية، فإن »البيريزيين« العرب لن يعرفوا بعد اليوم الطمأنينة، وقد يقتلهم الخوف قبل أن تمتد إليهم اليد التي ستغدو أطول الآن… يد »الأصوليات« التي كانوا يحاربونها لكي يستطيعوا الذهاب إلى إسرائيل بغير حرج، وها هي تجيئهم معززة ومبررة »بانتصارها« الباهر على بطلهم الاسرائيلي الكبير الذي خانها فأدبته… ديموقراطيù!
… في انتظار أن يقام سرادق العزاء بالتاريخ الراحل مع رجله: شمعون بيريز.

Exit mobile version