طلال سلمان

فشل مقصود لتزكية مرفوض

من الصعب تصديق هذه النهاية الدراماتيكية لجولة الوزيرة الملك كوندليسا رايس في منطقتنا، أي أن تغادر تطاردها شبهة العجز عن إقناع رئيس السلطة الفلسطينية البائسة بالمؤتمر الدولي الذي يتخذ عنواناً له حق الفلسطينيين في دولة آمنة بحدود واضحة .
بعد جولات مكوكية سبع في هذا المسلسل الرديء يستحيل أن تكون السلطة قد اعتمدت التصلب في الرد على دعوتها أخيراً إلى مؤتمر بعنوان يشير إلى دولة فلسطينية ما ، خصوصاً أنها قدمت، سلفاً، رزمة من التنازلات من أجل تشجيع الإدارة الأميركية على الدعوة إليه، وسعت لدى الأطراف العربية (من سبقها إلى الصلح ومن ينتظر) من أجل تسهيل انعقاده.. وبأي ثمن!
يذهب التفكير، هنا إلى أحد افتراضين:
? الأول أن تكون الوزيرة الملك التي باتت تعرف عرب التسوية جيداً، فرادى ومجتمعين، تريد إضفاء صفة المتشدد و الرافض للتنازلات على رئيس السلطة الفلسطينية الذي لم يقل لا إلا في تشهده … وهي بهذا السلوك تمنحه الفرصة لتأكيد وطنيته بحيث يحمي ظهره من معارضيه الكثر، داخل حركة فتح ومن حولها، ثم في مواجهة حماس التي تتربص به. وبعد هذه التظاهرة الوطنية تعود إليه بالعرض ذاته وإنما بصيغة معدلة تظهره في صورة البطل الذي أجبر الأميركيين وقبلهم الإسرائيليون، على التسليم بشروطه.
? أما الافتراض الثاني فهو أن تكون الوزيرة الملك لا تحمل إلا عناوين فضفاضة لمشروع مبهم، وبالتالي غير جدي، عليه بصمات الحكومة الإسرائيلية العاجزة عن تقديم أي شيء، لا سيما لهذه الإدارة العاجزة عن الفرض، ولعرب التسوية الذين يريدون التخلص من القضية الفلسطينية بأي ثمن، وللسلطة المتهالكة بتأثير الضغوط الداخلية والعربية والخارجية، والتي تحتاج إلى ما ينقذ ماء وجهها ولا يذهب بما تبقى لها من رصيد، وهو قليل قليل، والتي تريد من المؤتمر إعادة الاعتبار إلى فلسطينيتها قبل شرعيتها.
فأما الإدارة الأميركية فإنها تواجه في سنتها الأخيرة مجموعة من الاتهامات القاسية بالكذب والتزوير وتضليل شعبها وتوريط جيشها في حروب غير مبررة، فضلاً عن خيبة أمل حلفائها و أصدقائها العرب بقدراتها غير المحدودة.
إن العنوان السياسي الأبرز لهذه الإدارة هو الفشل المدوي لاحتلالها العراق وتزايد المساءلات داخلياً والانتقادات العلنية القاسية، دولياً، عن المذابح والانتهاكات اليومية التي تُرتكب في هذه الدولة العربية التي يفكك الاحتلال كيانها السياسي ويُحرّض شعبها بمكوّناته على الاقتتال والغرق في دمائه بالفتنة المدبرة.
ومن داخل أوضاعها هذه جاءت الإدارة الأميركية تعرض ربما ما لا تقدر على إنجازه: مشروع مؤتمر دولي برعايتها للبحث في واحدة من أعقد القضايا التي عرفها العالم، نتيجة الحماية الدولية للتعنت الإسرائيلي في رفض الحد الأدنى من الأدنى من المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني في دولة فوق بعض البعض من أرضه المشطّرة والتي يُنقص التمدد الإسرائيلي مساحتها كل طالع شمس.
لقد تبدى وكأن العرض الأميركي لا يمكن رفضه، فإذا بالموقف الفلسطيني يكشف أنه لا يمكن قبوله، بغض النظر عن التأتأة المصرية الرسمية والتي لا يدري أحد هل قالت نعم وهي تظهر الرفض أو قالت لا وهي تظهر القبول.
بالمقابل فإن الوزيرة الملك قد حصرت جولتها ضمن إسرائيل والسلطة والحكومة المصرية فاستثنت السعودية، أو أنها أرجأتها إلى الجولة المقبلة، وهذا الأمر له دلالاته المؤثرة..
ثم إن الإدارة الأميركية تقول نعم ولا في الوقت نفسه بالنسبة لدعوة سوريا إلى هذا المؤتمر الذي لا مبرّر لأن تحضره إن لم تكن أرضها المحتلة على جدول أعماله… والحال ذاتها تنطبق على لبنان. وبالتالي فلا أحد يعرف هل أن هاتين الدولتين ستشاركان فيه أم لا، وبأية شروط؟!
وفي انتظار الجولة الثامنة فإن الأسئلة والتساؤلات ستتزايد وكذلك الشبهات والريب في قدرة الإدارة الأميركية على مثل هذا الإنجاز الذي كان صعباً عليها قبل سنوات فكيف وهي أول من يحتاجه اليوم، وربما أكثر من أصحاب العلاقة الذين شبعوا صوراً في المؤتمرات السابقة التي تعددت جلساتها بغير أن تنال من صمود إسرائيل في رفضها أي تسوية..
ربما تراهن إسرائيل، كالعادة، أن الزمن سيأتيها بمزيد من التنازلات العربية، والفلسطينية أساساً، دون تعب… وهي تستطيع أن تنتظر بينما الفلسطينيون، على الأقل، لا يقدرون على مزيد من الانتظار في قلب اليأس!

Exit mobile version