طلال سلمان

فرنكوفونية كفرصة بنان »الافريقي«

على هامش »الخطاب اللبناني« للرئيس الفرنسي جاك شيراك والذي تحدث فيه إلينا، كصديق كبير، »من الداخل«، لا بد من الإلحاح على ضرورة إفادة لبنان من هذه القمة الفرنكوفونية التي تشكل بتوقيتها وهوية المشاركين فيها والدولة الراعية للمنظمة الأم فرصة ممتازة للبنان الرسمي، خارج نطاق كرم الضيافة والمهرجان السياحي وطوفان الكلام في ما يتجاوز الهموم اليومية الثقيلة لهذه الكتلة من دول الفقراء التي ما زالت ترتبط، ولو عاطفياً، بتلك الأمبراطورية التي كانت تستعمرها…
من باب الطرافة، يمكن القول إن لبنان يكاد يكون، للمرة الأولى، »دولة عظمى« تنافس فرنسا ذاتها في هذه المنظومة الفرنكوفونية.
أما في باب الوقائع فإن أكثر من نصف دول هذه المنظومة تقع في أفريقيا، بينها 4 دول عربية.
.. ولبنان، بجمهور مغتربيه الذين تقدر أعدادهم في أفريقيا بحوالى نصف مليون، هو الأوثق ارتباطاً والأعظم حضوراً في تلك القارة التي ظلمها التاريخ كما ظلمتها الجغرافيا، فضلاً عن الإنسان الأبيض.
والحضور اللبناني متجذر في نفوس الأفارقة، كما في أرض أقطارها عموماً، خصوصاً أنه حضور مدني واقتصادي ثقافي وليس حضوراً عسكرياً بتراث استعماري.
إن اللبنانيين في أفريقيا أكثر من »جاليات أجنبية«: إنهم منغرسون في أقطارها كافة، يعيشون مع أهلها ظروف حياتهم
الصعبة، يفرحون معهم ويحزنون معهم، وهم قد أسهموا وما زالوا يسهمون في دورتها الاقتصادية، في الحركة التجارية، في الصناعة، في الزراعة والتصنيع الزراعي، في المواصلات، في بناء المستشفيات وفي إدارتها، وفي بناء المدارس وتعليم أبناء »شركاء حياتهم« في السراء والضراء.
كل نكبة حلت بأي قطر أفريقي نال اللبنانيين منها نصيب… واليوم يتحمل الآلاف من اللبنانيين مع أبناء ساحل العاج بعض الآلام لما حصل فيها، وهم في قلق على المصير تماماً كرفاق عمرهم العاجيين.
ومن قبل كان اللبنانيون قد تحملوا بعض ما تحمله الليبيريون والسيراليونيون والنيجيريون والكونغوليون والماليون الخ…
إن أي مصيبة أفريقية تحمل الحزن الى داخل بيوت اللبنانيين جنوباً وشمالاً وعاصمة وجبلاً فضلاً عن بقاعه اليتيم.
إن انعقاد القمة الفرنكوفونية في بيروت فرصة ممتازة لتوثيق علاقات لبنان الرسمي بهذه الدول الصديقة حتى لتكاد تكون شقيقة.
إن لبنان يمكن أن يساعد كثيراً وفي مجالات عدة: بالكفاءات والخبرات، وبرؤوس الأموال (من القطاع الخاص بطبيعة الحال).
إن أقطار أفريقيا تحتاج إلى كل شيء، ويمكن للبنانيين أن يقدموا الكثير في قطاع التعليم، في قطاع البناء، في قطاع المصارف، وفي مجالات التدريب الفني والمهني، وكذلك في القطاع السياحي، فضلاً عن مجال الطبابة والاستشفاء والتمريض الخ…
إن أهم ثروة في لبنان تتمثل في العنصر البشري المؤهل جيداً، وهذا أكثر ما تحتاج إليه أفريقيا.
ويمكن للبنانيين أن يلعبوا دوراً كبيراً للربط بين إخوانهم العرب وأصدقائهم الأفارقة… وهم قد ربطوا بين أكثر من دولة أفريقية وأكثر من جهة في الخليج العربي (إن على المستوى الرسمي أو على مستوى القطاع الخاص).
وقمة الفرنكوفونية فرصة ممتازة للبنان الدولة كي يظهر اهتماماً جدياً بالإخوة الأفارقة يتناسب مع اهتمامه بأبنائه الذين يعيشون ويعملون وينتجون (وقد يموتون) فيها.
ليس مطلوباً من الدولة إلا رعاية هذه العلاقات، وتوكيد اهتمامها بهؤلاء الأصدقاء، واهتمامها بمستقبل بلادهم وحرصها على أن تساعد بما يملك أبناء لبنان من كفاءات ومؤهلات وقدرات.
إن لبنان الرسمي يكاد يكون غائباً عن أفريقيا، وهذا خطأ استراتيجي لا بد من تداركه.
لقد وُجهت الدعوة إلى رؤساء الدول في أفريقيا عن طريق السفارات، ومعظمها في عهدة قائمين بالأعمال (هذا يدل على مدى الاهتمام)، ولم تتكرّم الدولة بإيفاد بعض وزرائها العاطلين عن العمل ليس من باب اللياقة فحسب، بل من باب إظهار الاهتمام وصدق العاطفة.
القمة فرصة لفتح صفحة جديدة، ويمكن لهذا »الجيش المدني« من المغتربين أن يلعب دوراً كبيراً، فلماذا لا نفيد منه، بعيداً عن الحساسيات والتوازنات (المحلية).
إن أفريقيا تنتظر من يهتم بها… فهل نهتم تعبيراً عن اهتمامنا بوطننا؟!

Exit mobile version