طلال سلمان

فرنكوفونية كتجربة بائسة ليس بنانيين الا وحدتهم

يفترض أن تكون قمة الفرنكوفونية، بكل مجرياتها الجارحة، لبنانياً، وببيانها الختامي المهين والذي صدر بعد معارك شرسة ، جرس إنذار ينبهنا إلى أن وطننا الجميل والجريح الآن ليس مركز الكون، والأخطر أن قضيته لا تشغل بال العالم بقدر ما نتمنى أو نتوهم.
حتى في هذه البيئة الصديقة سياسياً لأسباب متعددة سنعمد إلى تعدادها، لاحقاً، لم نستطع أن نعود من هذه القمة التي كلفتنا معارك ومشاجرات محلية عنيفة تجاوزت حدود الأصول واللياقة إلى المهاترات التي تداني الشتائم والإهانات الشخصية، بما نستطيع أن نبلعه فضلاً عن أن نقبله فكيف بأن نعتبره انتصاراً دبلوماسياً أو إنجازاً سياسياً من شأنه أن يعزز موقف لبنان في مواجهة عدوه الإسرائيلي؟!
? فالقمة، بداية، فرنكوفونية، أنشأتها ورعتها وتواصل حمايتها ودعمها و فرضها على العالم كمنظمة دولية، فرنسا، التي هي بكل المعايير دولة صديقة ثم ان رئيسها جاك شيراك هو أحد أكبر أصدقاء لبنان، بل لعله أكبرهم بالمطلق على المستوى الدولي.
? ثم ان لبنان عضو مؤسس وله مكانة متميزة في هذه المنظمة، بشهادة قمتها قبل الأخيرة فيه، ووقائعها المثيرة (وليس كثيراً أن نستذكر في هذا السياق الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما قدمه من دعم لهذه المنظمة رداً لجميل الصديق شيراك…).
? كذلك فإن المنظمة تضم في عضويتها 52 دولة، تشكل الدول الأفريقية فيها أكثر من النصف (27 دولة) فإذا ما استثنينا تلك الدول الميكروسكوبية التي استولدتها ثم استحضرتها فرنسا من بين مستعمراتها السابقة، صار الإخوان الأفارقة مع الإخوان العرب (5 دول مع لبنان) أكثرية مطلقة.
مع ذلك لم يستطع لبنان أن يحظى من هذه الدول، في بيانها الختامي، بموقع الضحية ، فضلاً عن أن يكون القضية .
وبالنتيجة العملية فقد هزمته إسرائيل، حتى وهي لا تتمتع بعضوية هذه المنظمة الصديقة، وبالتالي فليست ممثلة مباشرة فيه مع أن حضورها كان طاغياً إلى حد أن البيان الختامي قد عدل بما يرضيها برغم غيابها على حساب لبنان الحاضر والمتمتع بحماية شيراك وبدعم مفترض من الأكثرية المطلقة!
فجأة وعلى حين غرة، سقطت مسؤولية إسرائيل عن حربها على لبنان!
بالكاد نجح لبنان في تحاشي الغياب الكلي… بعدما مُنع رئيس الجمهورية فيه من الحضور بطريقة غير لائقة حتى لا نقول مهينة ، بمعزل عن شخصه! ثم ان الدعوة الموجهة إلى رئيس حكومته كبديل مفروض، قد أحرجت الرئيس فؤاد السنيورة، فامتنع عن الذهاب في آخر لحظة حرصاً على شعرة معاوية مع الرئيس إميل لحود الذي اعتبرها قضية حياة وموت بالنسبة لشخصه. بالمقابل فإن غالبية اللبنانين لم تستطع أن تبلع هذا التجاوز لما فيه من مس بمقام الرئاسة الأولى بمعزل عن شخص الرئيس الأول… وكان الحل المبتدع على الطريقة اللبنانية: يوفَدُ وزير كممثل شخصي لرئيس الحكومة وليس للبنان الدولة!!
لقد رفضت القمة الفرنكوفونية، وبرغم الجهود المضنية التي بذلها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وهو الصديق الكبير للبنان، والرئيس الفعلي لهذه المنظمة التي ابتدعتها فرنسا وفرضتها على الدنيا، أن تعطي بلدنا الجريح مرتبة الضحية ، وأن توصّف إسرائيل بما ارتكبته في لبنان من مذابح وتدمير للبنية التحتية والمرافق العامة وأسباب العمران فيه.
وبعد معارك و مواجهات حادة ومجادلات عنيفة ارتضى المؤتمرون، وغالبيتهم أصدقاء، وبينهم إخوة أشقاء، أن يتحدثوا عن المأساة التي عاشها لبنان والنتائج المفجعة التي عادت بها على مجمل السكان المدنيين .
وأما من تسبّب في هذه المأساة ، ومن ألحق بهؤلاء السكان المدنيين أضراراً فادحة يصلح وصفها بالنتائج المفجعة،

ف مجهول ، لا اسم له ولا هوية: ربما يكون زلزالاً أو فيضاناً أو عاصفة جوية… والله أعلم!
لم يجرؤ هذا الحشد من الأشقاء والأصدقاء أن يسمي إسرائيل وأن يدينها، وأن يعلن تضامنه مع الضحية وهي العضو المؤسس لهذه المنظمة التي أولها أكبر أصدقاء لبنان الدوليين والتي روّج لها لبنان ودعا لنصرتها حيث له قدرة على التأثير، وفي أفريقيا على وجه التحديد، رداً لجميل جاك شيراك في زمن مضى.
هلا التفتنا، إذن، إلى الداخل، نحاول حمايته وترميم التصدعات السياسية فيه، والتخفيف من رهاناتنا على الصداقات الدولية، التي كثيراً ما تتحول إلى أسباب للفرقة وموانع للوحدة الوطنية التي هي في البداية وفي النهاية ضمانة حياتنا جميعاً… وضمانة حياة هذا الكيان الذي يجب أن نعترف أنه ليس دولة عظمى، وأن ليس أحرص عليه من أهله، فإذا ما فرّطوا بوحدتهم فلن يحميهم أحد؟!

Exit mobile version