طلال سلمان

فرصة مراجعة حل

يعيش اللبنانيون هذه الأيام هاجس الخوف من الديموقراطية .
… ولأنهم يسمعون عن الديموقراطية ولا يعيشونها فعلاً، ولعلهم لا يقبلون بها أصلاً، فهم يخافون منها، خصوصاً أن الأطراف المتعارضة تتبادل التهديد باللجوء إليها، وكأنها سلاح الحسم الأخير.
ولأن مؤسسات الديموقراطية في لبنان لا هي مؤسسات ولا هي تجسيد للديموقراطية، فلقد تزايد الحديث عن النزول إلى الشارع باعتباره المكان الوحيد الذي قد يتسع لديموقراطية أهل الحكم كما لديموقراطية أهل المعارضة.
لكن الشارع ملغّم بالطائفيات والمذهبيات التي من شأنها أن تخرج بالعمل السياسي من إطاره الطبيعي، أي التعبير عن إرادة الناس، لتزج به في الأتون القاتل للديموقراطية.
فالشارع في لبنان ليس شارعاً طبيعياً، ينزل إليه الناس باعتراضاتهم أو بمطالبهم حين لا يجدون في مواقع السلطة من يسمعها فيلبيها، بل هو بعض أرض الصراع الذي يمكن قلبه إلى طائفي أو مذهبي بحيث تضيع الهوية الجامعة للاعتراضات وتبرز بدلاً منها الرغبة في الانتصار على المعترضين حتى لو كانت مطالبهم محقة وتتجاوز حدود الطوائف والمذاهب، وتتوجه إلى السلطة باسم الناس باعتبارهم مواطنين أصحاب حقوق في دولتهم.
ولقد حدث مراراً أن تواجه في الشارع معارضون و موالون عندهم الهموم المعيشية ذاتها والمواقف ذاتها من حيث المبدأ في القضايا الوطنية والقومية، لأن الحساسيات المذهبية والطائفية جاهزة لا تحتاج إلى جهد كبير لتسد الشارع وتحوّل الاعتراض أو المعارضة إلى مشروع فتنة والعياذ بالله… ثم ان الأجنبي موجود، وفعال، وصاحب قدرة لا يستهان بها في تحريض الكل على الكل!
لا يكفي أن يكون المطلب محقاً، ولا يكفي أن تكون الجهة الداعية موثوقة وحريصة على السلم الأهلي ومكافحة عنيدة لتغليب ما هو وطني (وقومي) على ما هو طائفي ومذهبي، فالشارع يتحوّل في حالات الانقسام إلى شوارع متواجهة، وتضيع المطالب، في حومة الصراع، بل قد تتحوّل إلى نقيضها.
لذلك أشاعت النبرة الهادئة لحديث السيد حسن نصر الله، أمس، عن المطالب السياسية للمعارضة، جواً من الارتياح النفسي بدّد كثيراً من الاحتقان الذي كان يطل عبر السؤال الذي يفاجئ به كل صديق صديقه: طمئنّي، هل نمشي إلى مواجهة تفجّر حرباً في الداخل؟!
أعاد السيد حسن نصر الله تحديد الأهداف السياسية للمعارضة، نافياً عنها شبهة الغرض الطائفي أو المذهبي، موفراً مخارج للاحتقان السياسي بحلول سياسية، لم يرفضها بعض أطراف السلطة، وإن تراوحت مواقفهم بين القبول بالمبدأ ومن ثم مناقشة التفاصيل، أو هي أصرّت على إعادة ترتيب الأولويات بما يحقق لها المكاسب السياسية المطلوبة ثم تعطي بعد ذلك بسخاء.
على أن أهم ما ألحّ عليه السيد حسن نصر الله، ويشاركه في الإلحاح عليه أقطاب من أهل السلطة، هو التنبيه إلى رياح السموم التي تهب علينا، في المشرق العربي جميعاً، نتيجة تعثر المشروع الأميركي، وأبرز عناوين فشله حمّام الدم الذي يكاد يغرق فيه شعب العراق تحت رعاية الاحتلال الأميركي الذي ينظم الفتن المذهبية والطائفية ليشغل العراقيين بأنفسهم عنه..
أما ما جرى ويجري في فلسطين فلا يحتاج إلى أدلة جديدة على أن المذابح المتواصلة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد أطفال فلسطين ونسائها ورجالها والمقدسات إنما تحظى برعاية أميركية معلنة، كما ظهر في مجلس الأمن الدولي ثم في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومع أن تاريخ الإدارة الأميركية في تعاملها مع القضايا العربية عموماً أوضح من أن يحتاج إلى براهين على استهانتها بشعوبنا، وبالأنظمة الحاكمة حتى لو كانت بين أدواتها، أو ربما لأنها بين أدواتها، فإن ادعاءها رعاية التجربة الديموقراطية في لبنان لا يثبت لأي تحليل أولي… أما البراهين فإنها تدل وتؤكد على دور هذه الإدارة في تسميم الجو السياسي، وفي التحريض على تعظيم أسباب الخلاف بانحيازاتها المكشوفة بحيث ينقلب الخلاف الديموقراطي إلى فتنة طائفية أو مذهبية.
ولمن يعوزه الدليل (!!) فلينظر إلى ما فعلت الإدارة الأميركية بالديموقراطية في فلسطين حيث كادت تساعد على قلبها إلى حرب أهلية تكمل بها إنجازها العراقي.
وبالتأكيد فإن حسم موضوعات الخلاف السياسي أسهل اليوم منه بعد النزول إلى الشارع.. لأن النزول قد يكون مكلفاً، لكن العودة من الشارع ستكون أعظم كلفة من أن يطيقها هذا الوضع الهش القائم بجوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة.
هل من فرصة للمراجعة، والتقدم بالشجاعة إلى حلول تحمي لبنان الدولة ووحدة اللبنانيين بثمن زهيد جداً، بكل المعايير؟!

Exit mobile version