طلال سلمان

فتح: الثورة ـ السلطة!

منحت فلسطين اسمها المبارك لكثير من الرجال والتنظيمات، على امتداد تاريخ النضال من أجل حماية عروبتها ثم من أجل تحريرها بعد سقوطها تحت الاحتلال الإسرائيلي.
لكن فتح بقيادة ياسر عرفات صارت، ولوقت طويل، مرادفاً لاسم المباركة فلسطين، اكثر من أي تنظيم آخر وأكثر من أية شخصية أخرى عبر تاريخ نضالها الطويل.
قبل « فتح» ومعها وبعدها ولدت تنظيمات واستولدت الدول « تشكيلات» او «جبهات» ترفع راية فلسطين كي تتمكن من القفز الى السلطة في هذا البلد العربي او ذاك.
وحدها « فتح» استطاعت ان تجمع الإسلامي والماركسي، الوطني والقومي، المناضل والطامح الى السلطة، المتطرف الى حد التيه والمتساهل الى حد التفريط… ولكنها ظلت في موقع الرمز: بالكوفية والبندقية والهوية وإرادة التحرير.
وحدها « فتح» كانت التنظيم والمنظمة، الثورة والسلطة، «الدول» والمخيمات، حلم العودة وانكسار التسوية.
وحدها «فتح» كانت جامعة دول الاختلاف العربي، والخارجة على أنظمة الاستسلام الى تسويتها الخاصة التي شطبت «القضية» بالسلطة، في ظل الانقسام العربي الذي حوّل «التحرير» الى حلم مستحيل وحوّل «الدولة» الى خرافة وجعل إسرائيل دولة يهود العالم.
بدأت فتح الرحلة من الخارج الى الداخل. وكان لا بد أن يتحول معسكر التدريب الى سلطة داخل السلطة، وهكذا قدر على فتح ان تخوض أكثر من حرب أهلية في دور الضيافة التي قبلتها ثورة ورفضتها سلطة: الأردن بداية وما بين معركة الكرامة في الأغوار 1968وأيلول الاسود1970 ثم لبنان ما بين اتفاق القاهرة 1969 وحتى الاجتياح الإسرائيلي في حزيران 1982 مروراً بالحرب الأهلية التي امتدت في الزمن الفاصل بين الدخول المظفر والخروج المهين.
«فتح» الآن في التاريخ، وليست في «السلطة» التي قطعت حبل السُّرة مع الثورة التي رجعت الى ضمير فلسطين، في انتظار أن يأتي جيل آخر، أكثر استنارة، أكثر وعياً بالعصر، أقوى بالعلم وبالفهم العميق للمشروع الإسرائيلي وموقعه على خريطة السياسات الدولية.
هذا العدد من «فلسطين» يتجاوز التحية لحركة فتح الى محاولة لمراجعة تجربتها الفذة الطويلة والمكلفة، بالشجاعة والتردد فيها، بالمغامرة واستسهال الصعب، بالتضحيات العظيمة والانهيارات المكلفة والتي نجح ياسر عرفات بأن يكون «الظل العالي» لها جميعاً، وأن يدخل تاريخ فلسطين مقاتلاً بالأمل ورئيساً يائساً وشهيداً للحصار من الخارج الذي مهد لاغتياله في الداخل.
هي صفحة من تاريخ فلسطين تنورها دماء الشهداء، من دون ان تحجب الخيبات والمرارات والتنازلات التي انتهت بالثورة شهيداً بلا عزاء في سجن رام الله.

Exit mobile version