ربما هي الصدفة تلك التي تجمع اليوم بين ذكرى رحيل الداعية الإسلامي الدكتور فتحي يكن، وبين صعود نجم تركيا في العالمين العربي والإسلامي.
لقد أبكر الراحل في رهانه على دور تركيا وفي إمكانية «استعادتها» إلى قضايا الأمة، وأن تشارك ومن موقع متقدم مع العرب الذين ما زالوا يعملون لهدف التحرير.
لقد أدرك «الشريف» فتحي يكن قبل غيره أن تركيا لا يمكن أن تكون إلا في هذه الضفة من المواجهة مع إسرائيل، ولذلك فقد كان يفاخر بنَسَبِه التركي لأنه كان يؤمن أن ما تختزنه أرض الأجداد من تراث مرتبط بفلسطين، لن يندثر بفعل «الأمركة» التي «خطفت» قرناً من الزمن ذلك الإرث السياسي ـ الديني.
يستطيع «الشريف يكن» أن يطمئن اليوم في عليائه إلى أن قضية العرب اجتذبت «أبناء العم».. وأن المسافة التي باعدت بين العرب و«التركمان» قد ضاقت كثيراً، تماماً كما هي ضيقة إلى الحدود الدنيا بين العرب والعجم، على قاعدة أن «لا فضل لعربي على أعجمي .. إلا بالتقوى».
لقد استشف الداعية الإسلامي مكمن الخطر، فكانت تلك الوقفة التاريخية في ساحة رياض الصلح أول رصاصة على الفتنة التي كانت تذر قرنها في لبنان وكل المنطقة، عندما أم المصلّين ـ سنّة وشيعة ـ لتأكيد وحدة الموقف والمصير ومواجهة الخطر الذي يستهدف جميعهم.
لم يكن فتحي يكن مجرّد داعية إلى الإسلام، بل كان حديقة فكر ومنتدى للحوار والالتقاء مع الآخر استناداً إلى القاعدة التي آمن بها «نتعاون في ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه».
وهذا ما جعل فتحي يكن لا مجرّد داعية إسلامي، بل داعية إلى الوحدة والحوار والتلاقي.. بل وتحوّل إلى داعية جهادية تقاوم الجمود الفكري وتحطّم الأفكار الصنمية التي تحاصر الإسلام وتفتّت وحدة المسلمين.
لقد احتل فتحي يكن موقعاً متقدماً في تاريخ الحركة الاسلامية في لبنان والعالم، وبات رمزاً من رموزها الذين لم يقفوا عند الماضي وفيه بل واكبوا الحاضر وانتقلوا بأفكارهم إلى تلك المساحة الواسعة من رحابة الإسلام كفكر وعقيدة ترفض التحجّر وتنبذ الانغلاق وتفتح الباب لحوار منتج يفيد قضيته.
في ذكرى غيابه يطل طيف فتحي يكن كمنارة شعّت من طرابلس على لبنان وكل العالم الإسلامي، لأن تاريخ طرابلس الناصع يشهد لها أنها كانت عن حق «مدينة العلم والعلماء»… رحمه الله ونفع الأمة بتراثه الذي تقوم على حفظه وتطويره نخبة من المؤمنين بينهم بعض عائلته.
طلال سلمان