طلال سلمان

فاصل كوميدي لبناني لايام حصار

لا بأس من فاصل كوميدي لبناني في ظل هذه الأوضاع المأزومة داخلياً، المهينة عربياً، وغير المسبوقة دولياً: ألسنا في قلب »شر البلية«؟!
على ان لبنان لا تهزه الريح، أي ريح، وسواء أكان مصدرها الضائقة الاقتصادية المتفاقمة التي لن يفرجها المهرجان الناجح للترويج لضريبة القيمة المضافة، أو التهديدات الأميركية التي لن يضيف الكثير إلى جديتها صدورها بالأمس عن جورج. و. بوش شخصياً، ولا المذابح الإسرائيلية اليومية التي تلتهم كل يوم المزيد من الشباب والفتيات والأطفال والبيوت والمرافق والأشجار وأسباب الحياة في فلسطين التي تسكن بؤبؤ العين، قبل الحصار وبعده (وكلنا داخله).
لبنان أقوى من الدولار، والشطار من أبنائه قد اذلوه ولعبوا به كما لم يذله أحد من قبل، كذلك فهو أقوى من هذا الكاوبوي الدموي الساذج جورج. و. بوش »الذي لا يعرف مع من علق، أخيراً«!!، وأقوى حتماً من أرييل شارون الذي يحاصر الوطن العربي كله الآن ما عدا لبنان الذي يزعم انه انتصر عليه وعلى دولته الإسرائيلية مرتين أولاهما قبل عشرين عاماً والثانية قبل ستة عشر شهراً!
فأما اطراف الفاصل الكوميدي فهم هم اطراف السلطة والمؤسسات والقوى السياسية جميعاً، من كلٍ قدر طاقته ولكلٍ حسب حاجته!
في أسبوع واحد تنصلت المؤسسات جميعاً من مسؤوليتها عن الحكم و»استقالت« من موقعها السامي كرموز للنظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني »القائم« في لبنان.
انتبه رئيس الجمهورية، في »صحوة ضمير« كما قالت الصحافة، إلى خطورة الوضع داخل مجلس الوزراء، بما يعطل مصالح البلاد والعباد، فأنب الوزراء الذين يتجاهلون القرارات الصادرة عن مؤسسة الحكم فلا ينفذونها، وكاد يلوح »بالتوقيف الصارم« أو بإحالتهم إلى »المجلس التأديبي«، لولا ان القمة قريبة ومن المصلحة ان تتم في ظل حكومة موجودة ولو معطلة على ان »تفرط« القمة، وهي مهددة أصلاً بالانفراط لأن لبنان مشغول بأزمته الفولكلورية الموسمية متمثلة بتشكيل حكومة جديدة!
ولأن رئيس الحكومة لم يعد طارئاً أو مستجداً وبات يعرف ويستمتع بممارسة »اللعبة« فقد رد بهجوم مضاد عنوانه الترحيب بتبديل الحكومة!.. وهكذا وقف أمام المجلس النيابي (شبه الفارغ من أعضائه) ليشجع الدعوة للتبديل غير عابئ بغياب الوزراء، بل هو اندفع أبعد من ذلك فغمز بعض أعضاء »كتلته النيابية« العريضة لرفع الصوت بالاعتراض على وزراء معينين وإجراءات محددة لم يكن يرغب بها.
ولأن الشاشة فضاحة فقد نقلت محطات التلفزة اللبنانية المتعددة المناخات والولاءات صوراً لقاعة فخمة المقاعد (وذات الكومبيوترات) وهي شبه خالية من »ممثلي الشعب« الذين قال كل منهم كلمته في الموازنة التي يعرف انها لن يتبدل فيها رقم واحد، ثم انصرف إلى شؤونه الخاصة مطمئناً إلى ان »الجمهور« الذي انتخبه موالياً قد أُعجب به معارضاً ولو لساعة أو بعض ساعة… ثم ان الأمر معروف للعامة قبل الخاصة: فالكل يتحدث لمستمع واحد!
على ان بعض المرشحين، ولو نظرياً، لمنصب الرئاسة الأولى، أو الثانية، أو الثالثة، قد افادوا من المناسبة، للتشهير بكل مؤسسات السلطة وأجهزتها مستخدمين وقائع بعضها صحيح وبعضها الآخر »محتمل« وقابل للتصديق، فأفاضوا في شرح الانهيار الاقتصادي الواقع لا محالة، وطعنوا في انضباط الأجهزة لأمنية والتزامها بمبادئ الديموقراطية والشفافية والتراتبية… وأوحى كلامهم ان الحكم في لبنان يمارس من خارج دست الحكم، وقد شاركهم في الايحاء بعض أهل الحكم أنفسهم، بل ان بعض هذا البعض قد زودهم بمعلومات مفيدة جداً في هذا المجال!
باختصار، تكرر عرض الفيلم القديم حيث يشكو »الابطال« جميعاً من كل شيء، ثم ينفض السامر، ويأتي عمال النظافة فيجمعون فتات المواقف المرتجلة والكلام المكتوب!
ولعله كان من مقتضيات اللعبة ان يصار إلى طرح تغيير الحكومة، وأن تتواطأ الأطراف المتنازعة (داخل السلطة) على طرحها، وكل لغرض في نفسه… فالتغيير سلاح متعدد الرؤوس (والفوائد) يمكن لكل طرف ان يستخدمه ضد الآخر:
رئيس الحكومة المستقوي بحقيقة ان لا بديل منه، في المدى المنظور، يلوّح بالتبديل »لتهديد« وزراء عصاة ليسوا له، اصلاً، وكذلك لغواية معارضين لغيره لكي يقتربوا منه لأنه يقدر حيث لا يقدر الآخرون!
و»جماعة العهد« يفترضون ان التعديل سيمكنهم من تعزيز جبهتهم المواجهة لرئيس الحكومة الذي لا مجال للخلاص منه ولكن قد تمكن محاصرته بوزراء أشاوس يحدون من حركته ويقلصون مساحة هيمنته على المقادير.
فأما النواب فهم، عموماً، مع أي تغيير أو تعديل أو تبديل، لعله يفتح أمام بعضهم باب الجنة الحكومية المرصودة للأقوياء.
المهم ان الفاصل الكوميدي قد حقق نجاحاً شعبياً ساحقاً وهكذا تم تمديده لأسبوع ثانٍ… مع التنويه بأن الثرثرة فوق ساحة النجمة لا تترتب عليها أية ضريبة، ولا يدفع أصحابها شيئاً من ضريبة القيمة المضافة، إذ ليس لها قيمة أصلاً لكي تقع عليها إضافة!
لبنان بخير، يكاد »يفقع من الضحك«، فهيا إليه يا أيها المستثمرون الهاربون من التهديدات الأميركية والخائفون من الحرب الدولية ضد الإرهاب.
فلبنان قد أرهب الإرهابيين دائماً وما يزال يرهبهم!

Exit mobile version