طلال سلمان

فاصل عربي دولي في جدل لبناني

قُضي الأمر: صارت المسألة اللبنانية أكواماً من التفاصيل تتوالد ذاتياً وباستمرار حتى ليكاد واحدنا ينسى أساس الموضوع، خصوصاً أن جمهرة من الشياطين قد استوطنت هذه التفاصيل وطابت لها اللعبة فعملت على استيلاد المزيد من التفاصيل المهجّنة… ولعل هذه الحقيقة تفسر ضيق الصدر الذي يعاني منه أي مواطن كان يفترض نفسه صاحب قضية، فإذا هو الآن تائه لم يعد يعرف من أين بدأ، والأخطر أنه لا يعرف أين سينتهي به المطاف!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كانت المسألة ، إلى ما قبل أيام قليلة: هل ندعى إلى القمة العربية أم أن دمشق، التي لا تعترف بسيادة لبنان واستقلاله، ستهمل دعوتنا تحقيراً وازدراءً وتعالياً وتوغلاً في وصايتها على هذا الوطن الصغير؟!
… فلما وجّهت سوريا الدعوة صار الشكل أهم من المضمون: مَن حملها إلى بيروت، ومتى، ولمن سلّمها، وممّن هي موجهة أصلاً؟!
ثم ارتفع منسوب الحدة في الجدل (من طرف واحد!!): وكيف نذهب والجمهورية بلا رأس؟. وماذا إذا ذهب رئيس الحكومة (التي قررت دمشق، أخيراً، أنها ليست بتراء) ومقعد الرئيس الأول (الماروني) شاغر؟! ألن يعتبر مثل هذا التصرف اعتداءً مباشراً على حق الطائفة المارونية وامتهاناً لكرامتها وكرامة موقعها الممتاز على رأس السلطة؟!
ولكي يحسم الجدل قرّر القائد الميداني لهذا المعسكر الاندفاع إلى الهجوم: إن مجرد الذهاب جريمة سياسية! إنه الاستسلام بذاته!؟
على هامش هذا الجدل العقيم كانت المبادرة العربية تنطوي على ذاتها وتنسحب مكتفية بما نالها من تسفيه اختلط فيه القبول المشروط بالرفض المطلق حتى سكت عمرو موسى ذاته، وبكفاءاته العليا، عن الكلام المباح!
غير أن أفصح المزايدين في الترويج للمبادرة العربية تركها في بيروت، لا هي حية فترجى ولا ميتة فتنعى، وقصد إلى عاصمة القرار الكوني ليستقوي بمن اعتمده، أخيراً، بين وكلائه المحليين، على شركائه في الوطن الذي تتحوّل جراحه إلى أسهم في البورصة الدولية.
هي هي المسألة: فالانحياز إلى الخارج يشق المؤسسات العربية من داخل الداخل وحتى القمة العربية، التي لم تعد تخفي الإدارة الأميركية اعتراضها على عقدها في دمشق، ولم تعد تتورع عن تحريض الأطراف المؤسسين لها على مقاطعتها!
[ [ [
في هذا الوقت بالذات، تستقبل الدول العربية ، أو بعضها، عدداً من الزوار ذوي الأهمية الاستثنائية:
فعشية الذكرى الخامسة للاحتلال الأميركي للعراق يهبط على بغداد المرشح الجمهوري الذي يعد نفسه لخلافة جورج بوش ووراثته: المقاتل الأسير السابق جورج ماكين صاحب الشعار الشهير بأن على جيش الاحتلال الأميركي أن يبقى في العراق لمئة عام!
واضح أنه يأتي لتزكية ترشيحه لدى الناخب الأميركي بالدماء العراقية، ممزوجة بالنفط العربي على تعدد مصادره في أرضنا المرشحة لأن تصير بمجموع آبارها تحت الاحتلال، مباشراً أو عبر الوكلاء المحليين الذين ربطوا مصيرهم بالمحتل الذي صار الآن حامي حماهم، وحامي الدين الحنيف (!!) بنسخته المعدّلة حتى تصير معتدلة!
بعد ماكين سيهلّ على المنطقة نائب الرئيس الأميركي المعروف بحبه للعرب ديك تشيني يرافقه سرب من تلاميذه من المحافظين الجدد…
… وهو سيجول في منطقتنا مطمئناً إلى استسلام العرب بعدما فهموا الدرس العراقي ليعزز مواقع حلفائه فيها تحت أعلام السيادة والاستقلال والديموقراطية والوحدة الوطنية التي لا تعرف الانشقاق والتشقق بدوافع الفتنة التي تحيل الخلاف السياسي إلى حرب أهلية مفتوحة!
ولقد اختار لجولته التفقدية موعداً يقع بين الذكرى الخامسة للاحتلال الأميركي للعراق وتدمير هذه الدولة العربية التي كانت بين آمال العرب في مستقبل أفضل، وبين الذكرى الستين لإقامة دولة إسرائيل وتدمير الحلم بل الحق الفلسطيني بدولة لشعب فلسطين في أرضه… وهو الحلم الذي يكاد ينتهي، وسط الضياع العربي العام والشقاق الفلسطيني المتمادي إلى كابوس… خصوصاً مع وعد جورج بوش في مؤتمر أنابوليس بأن تكون إسرائيل دولة اليهود ، وهو قد أطلقه بحضور العرب كافة، مكملاً به وعد بلفور قبل تسعين عاماً أو أكثر قليلاً!
أما الذكرى الستون فمعقودة اللواء للرئيس الأميركي الذي أعطى إسرائيل أكثر مما كانت تطلب، جورج و. بوش.. ومن حقه أن يرعى الاحتفال الميمون!
… وعلى هامش هذه الزيارات الأميركية المباركة أطلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فوصلت أمس إلى إسرائيل لتكون أول مسؤول ألماني على هذا المستوى يقف أمام الكنيست معتذراً متضرعاً، أن تغفر، بشفاعته السخية، الخطيئة المميتة التي ارتكبها الشعب الألماني ضد اليهود عشية الحرب العالمية الثانية وخلالها…
ووقت المستشارة لن يتسع لزيارة السلطة الفلسطينية المشروخة والمتهالكة في رام الله، وهي وعدت بأن تأتي لزيارتها خصيصاً، بغير أن تطلب، طبعاً، هذا إن أتت، غفران الشعب الفلسطيني الذي تمارس بحقه المحرقة الإسرائيلية الآن، وبغير أن تسأل عن مدى ما ألحقته به من أذى تلك الكفارات التي دفعتها ألمانيا للإسرائيليين!
[ [ [
آسف، إن كنت عطّلت الجدل اللبناني المفتوح عبثاً حول كل شيء ولا شيء!. ويمكن لمن قاطعتهم أن يستأنفوه الآن وبأي درجة من الحدة يقررون!

Exit mobile version