طلال سلمان

غياب <الحكيم> عاطف سعد

غاب الجار الطيب الذي كنت أحسبه طيفاً لدماثته ورقّته وتهذيبه الرفيع وجيرته الحسنة.
حتى خبر غيابه جاء لطيفاً، مخففاً، مثل سيرته، مثل سلوكه الهادئ، لكأنه كان يخاف ان يزعج خبر موته اصدقاءه ومحبيه الكثر.
لسنوات طويلة كنا جارين، نسكن في بناية واحدة، الدكتور عاطف سعد وأسرته وعائلتي.
وقد نشأت، مع مرور الأيام، علاقة عائلية طيبة مع هذا الطبيب الوافد من غريفة، في الشوف، والسيدة عقيلته، وبيننا، سرعان ما عززها التقارب في الموقف السياسي من مسلسل الأحداث المأساوية التي عاشها اللبنانيون ولم يتعلموا منها ما يجنبهم مخاطر تكرارها.
أحياناً كانت الهموم تثقل على الطبيب الذي تجعل الأحداث يده مكامن الوجع، فيتصل مستأذناً بأن يأتي لنتبادل الرأي، أو التشكي من أغلاط السياسيين وأكلافهم الباهظة، وأخطرها سوء تقدير الموقف ومخاطبة الناس عبر غرائزهم بدلاً من عقولهم.
كان يعيش وجع المواطن في المستشفى، كما في الشارع، كما في البيت، فإذا ما قصد قريته الشوفية غريفة عاد بمزيد من الحكايات الموجعة، فقلبه الرقيق كان أشبه برادار يلتقط الألم من مكامنه.
ولأنه لم يكن طائفياً، ولم يكن جهوياً، ولم يعرف التعصب، فقد صارت مهنته تعبيراً عن أخلاقياته وليس عن علمه فحسب.
وبطبيعة الحال فقد كان ضد مختلف اشكال التقسيم، وضد التطرف عموماً، لأنه يعرف ان لبنان يعيش بالاعتدال ومن دونه لا حياة لهذا الكيان الذي شرط حياته توافق أهله على صيغة حكمه السياسية.
لقد رحل الحكيم الذي عاش حياته يعالج آلام الناس ويحاول أن يستولد من الوجع آمالاً بمستقبل أفضل.
خسر لبنان واحداً من حكمائه الذين كانوا يعالجون أوجاعه بقلبه قبل طبه.
وداعاً أيها الصديق الذي عاش عمره يعطي من نفسه ولم يأخذ من دنياه إلا قليلاً.

Exit mobile version