طلال سلمان

غضب مقدس

من حق اللبنانيين أن يغضبوا أشد الغضب وهم يكتشفون انهم قد سقطوا شعباً قبل الحكومة في فخ ملكي رخيص، من دون أن يكون لهم عذر الضحية!
فالخاتمة المفجعة لسيرة الحياة النضالية الحافلة لهذه المجموعة من تنظيم »الجيش الأحمر الياباني«، من رفاق المقاتل في صفوفنا وباسمنا ولأجلنا ضد العدو الإسرائيلي كوزو أوكاموتو، تسيء إلى كرامة كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج، فكيف باللبنانيين الذين عاش هؤلاء سنوات لديهم، لاجئين أشبه بالأسرى، بعد سقوط »قضيتهم« بل كل »القضايا الثورية«، ثم حوكموا على ماضيهم (!!) وحُكِموا ونفذوا الحكم بغير اعتراض، وعندما أُفرج عنهم بعد انتهاء العقوبة وافترضوا أنهم عادوا إلى حرية الموت في الغربة إذ بمكيدة خسيسة تأخذهم إلى المقصلة في بلادهم البعيدة!
صحيح أن السلطات الأردنية هي التي ارتكبت الجريمة، لكن طرفا من المسؤولية المعنوية سيلقي بظله على لبنان واللبنانيين، أقله »بفضل« الجهد الذي بذله فعلاً أو سيبذله الأردن (وربما اليابان) لتصوير عملية التسلم والتسليم وكأنها ثلاثية الأبعاد… ومؤكد أن عمان حاولت وستحاول الإيحاء أو حتى الادعاء بأنها كانت مجرد »صالة ترانزيت« لإكمال الصفقة بين بيروت وطوكيو!
ولا شك أن الأسلوب »الارهابي« الذي استخدمته قوى الأمن مع المتظاهرين المغضَبين الذين توجهوا إلى منزل الرئيس سليم الحص، عندما بلغتهم أنباء المكيدة الملكية، سيسهم في إلقاء مزيد من الظلال والشبهات التي من شأنها أن تنقل لبنان من خانة الضحايا مثلهم مثل »الأسرى« اليابانيين إلى موقع الشريك أو المتواطئ أو المُسْتَغفَل (في أحسن الحالات) في جريمة تسليمهم الرخيصة.
وستجد الحكومة مَن يسألها، وعن حق: ألم تشتبه في هذا »الكرم« الأردني؟! ألم تشك في سلامة المقصد؟! ألم يستوقفها ما يفترض انها تعرفه عن أزمة القروض العالقة بين طوكيو وعمان التي عجزت أو امتنعت عن تسديد الأقساط المستحقة عليها، وسعيها لاعتبارها من »الديون الهالكة«؟!
جواب الحكومة البسيط انها لا تقرأ النوايا، وأن »العرض« الأردني كان من النوع الذي لا يمكن رفضه، خصوصا وانه يخلصها من أزمتين معاً: أزمة ضمير وأزمة سياسية لها مفاعيلها الاقتصادية المؤذية!
بعد فرنسا (كارلوس) وتركيا (أوجلان) ها هي اليابان تستعيد مطلوبين كانوا، بشكل أو بآخر، ولأسباب متعددة، ضيوفا أو لاجئين أو ثوارا عابرين أو رفاق سلاح قدامى لبعض إخوانهم العرب، وأحيانا شركاء لهم في النضال ضد »الامبريالية« و»الصهيونية« ومن أجل انتصار »الثورة« وتحقيق الغد الإنساني الأفضل.
إن إعلان براءة لبنان من هذه الجريمة الجديدة (وهو أمر ضروري) لا يبرئ العرب،
فالسلطات الملكية الأردنية تكاد تعلن مسؤوليتها عن هذه العملية النموذجية في سهولتها لتسليم جثة الماضي النضالي الى شرطي النظام العالمي الجديد والرأسمالية المتوحشة!
وإعلان براءة لبنان (الرسمي) شرط لكي يستطيع واحدنا أن يحتفظ باحترامه لنفسه، لكرامة الإنسان فيه، قبل التباهي بلبنان المضياف ودار الأمان لكل مظلوم ومضطهَد ومحروم من وطنه أو من الحرية في ولوطنه، أو »دار البقاء« للذي لم يعد ينتظر غير الموت ليعلن انتصاره الأخير على نظامه الذي لم يستطع ان يقتل فيه الأمل بالتغيير، أي بالعدل، أي بالحياة ذات يوم!
الغضب، هنا، مقدس… والمخادِع ملعون، وهو متآمر على أخيه (اللبناني) قبل ان يكون عميلاً بالين الياباني المزدهر في العصر الأميركي الإسرائيلي.

Exit mobile version